احتضار

استيقظ على صوت احتضاره، كان لا يقوى على التنفس، حاول جاهداً أن يملأ رئتيه بالهواء العفن، لم يستطع سوى أن يأخذ شهقات قصيرة ، لكنها كانت كافية ليستطيع النهوض من سريره وينسحب ببطء كي لا يوقظ أخاه النائم بجواره بصوت موته ، بضع خطوات تفصل سريره عن غرفة الجلوس ، بدت في تلك اللحظات كألف ميل ، استطاع اجتيازها بالنهاية، جلس على أريكته المفضلة هناك بعد أن أغلق الباب، كان يريد أن يموت بهدوء ، بدون أن يزعج أي كان باحتضاره ، كتاب لم يتم قراءته بعد على الطاولة ، تناوله وفتحه على الصفحة الأخيرة، وقرأ “هكذا هو الموت”.

كم غبي هذا الكاتب! هل جرب الموت ليعرف كيف هو حقاً؟ ليس الموت مؤلماً كما يظن، بل هو بسيط جداً فها أنا هنا أموت، لا شيء صعب في الموت، لكن الحياة تصبح أصعب فقط.

بدأ شعور بالرغبة في النوم يستولي عليه ، هو يعرف هذا الشعور ، النوم الأبدي يقترب ، حاول أن يقاومه لا لشيء ، لكنه لم يرغب بالموت بعد ، ربما بعد قليل . اسئلة كثيرة تجتاح فكره ، هل من شيء بعد؟ ، هل سأرى الله ؟ ، هل كانت حياتي مجرد حلم ؟ وهل سأستيقظ غداً ؟ . لا أجوبة ، اسئلة فقط .

ذات يوم قالت له صديقة : “كل الناس يخافون الموت ، لماذا تلاحقه من مكان لآخر ؟” . كان جوابه بسيطاً جداً : “أنا لا أخاف الموت “. هل حقاً أنا لا أخاف الموت ، فكر وابتسم .
“لن أموت” ، قال لنفسه وهو يحاول بأقصى جهده أن يأخذ نفساً كاملاً ، لم يعلم من قبل أن التنفس يحتاج كل هذه القوة ، ” لن أموت ، واجهتك من قبل أيها الموت وسأفعل هذه المرة أيضاً ” ، شعر برئتيه تتمزقان كأنما لا تستطيعان تحمل امتلائهما بالهواء ، حشرجة ثقيلة في صدره عندما يزفر ، “يكفيني هذا ، لم اعد قادرا على المقاومة ، سأموت؟ نعم ، يجب أن تستسلم ، ستموت” ، قال لنفسه ثم صمت .

بدأت الدنيا تبدو معتمة من حوله ، لم تعد الصور واضحة في عينيه ، خدر لذيذ يسري في أطرافه، وينتقل الى بقية جسده، ” أود لو أشاهد نفسي الآن “، فكر وضحك .

لم يعد يعرف أين هو، الواقع ليس موجوداً الآن، لا يشعر بجسده ولا يستطيع أن يرى أي شيء من حوله، ظلام تتخلله بقع ضوئية خافتة، لكن عقله يضج بالذكريات، ذكريات كثيرة لم يكن يعلم انها موجودة هناك حتى، “كم غريب أنت أيها الموت؟!” ، الآن بدأ يشعر بأنه قد كان حياً.

الرغبة بالنوم لا زالت تتملكه، لم يعد يرغب بالمقاومة، ابتسم ثم أغمض عينيه، واستسلم لنعاسه، بدأ يشعر بنفسه ينسحب من عالمه المادي، ويغوص في فراغ سريالي لذيذ، كل الأشياء تنصهر هنا وتتمازج، قبل أن يغرق في سريالية موته اللذيذ، تذكر أنه لم يقل لها أنه يحبها، ثم ذهب.