عن تيليجرام، الخراف، الثمن المدفوع وأشياء أخرى.

يدور في هذه الأيام أحد أنواع الهوس الجماعي بهجرة تطبيق التراسل الفوري المملوك لشركة فيسبوك واتساب، وذلك بسبب تعديل بنود سياسة الخصوصية الخاصة به والذي يسمح له بمشاركة بيانات المستخدمين مع الشركة الأم فيسبوك، والذي يعتبره الكثيرين انتهاكا جسيما لخصوصيتهم، وفي ظل هذا الهوس المحموم بالخصوصية والحصول عليها يعلن تطبيق تيليجرام المنافس لواتساب وصول عدد المشتركين فيه ل 500 مليون مستخدم، بواقع 25 مليون مستخدم خلال الأيام القليلة الماضية، وعليه فإنني أكتب هنا مدفوعًا بهذه الهجرة الجماعية التي تبدو اعتباطية بشكل ما، مما يسبب لي إزعاجًا طفيفًا أعزوه إلى واحدة من عقدي النفسية – التي لا حصر لها على الإطلاق – وذلك لأنني لا أستطيع إلا ذلك.

عن الهجرة إلى تيليجرام:

يملك أغلب المهاجرين من واتساب حسابات على كل من فيسبوك و إنستاجرام، يستخدم الأغلبية منهم التطبيقات الخاصة بهذه الشبكات على هواتفهم الذكية، تقوم هذه التطبيقات بجمع البيانات الخاصة بالمستخدمين لها واستخدامهم لكل منها ومشاركتها فيما بينها، بما يشمل البيانات التي يريد واتساب مشاركتها مع فيسبوك، وبذلك فإن عملية الهجرة إلى تيليجرام أو غيره لم تقم بعمل أي تغيير يذكر على كمية البيانات المجمعة عن كل منهم، بالمقابل فإن المستخدمين الذين قاموا باختيار تيليجرام بديلاً للواتساب قد تخلوا عن خاصية التشفير الطرفي المفعلة مسبقا في واتساب، واختاروا تيليجرام الذي لا يقوم بتشفير المحادثات إلا في حالة إنشاء محادثة سرية، ويقوم كلا التطبيقين بحفظ المحادثات بشكل غير مشفر في حالة عمل نسخة احتياطية عنها على خوادم شركة جوجل وابل وذلك حسب نوع هاتف المستخدم. يقوم تيليجرام بحفظ نسخة من رسائل المستخدمين ولوائح الاتصال الخاصة بهم على الخوادم الخاصة بالشركة (خوادم خاصة غير مفتوحة المصدر)، مما يعني أن أي اختراق لهذه الخوادم سيترك كافة بيانات ورسائل المستخدمين متاحة للبيع والشراء بكل الوسائل الممكنة، وبذلك يتفوق واتساب على تيليجرام من ناحية أمن الرسائل المتبادلة، حيث لا تملك شركة فيسبوك نسخة عن رسائلك الخاصة، وإن فعلت ستمتلكها بصورة مشفرة وذلك باستخدام بروتوكول سيجنال للتشفير الطرفي والذي يستخدمه تطبيق سيجنال للتواصل الفوري (وهو الخيار الأكثر أمانًا من التطبيقين الآخرين)، وعليه فإن ترك واتساب للذهاب إلى تيليجرام هو عبارة عن خيار سيء في أحسن الأحوال. وذلك بعيداً عن وهم الخصوصية الذي تخلى عنه أغلبيتنا في اللحظة التي قمنا بها بإقتناء هاتفٍ ذكي وقمنا بنشر جميع معلوماتنا على جميع وسائل التواصل الإجتماعي. 

عن الثمن المدفوع :

هناك ثلاث أنواع من التطبيقات المجانية في هذا العالم، التطبيقات التابعة لشركات ربحية، والتطبيقات المجانية مفتوحة المصدر – يمكننا اعتبار هذه التطبيقات شكلاً من أشكال الاشتراكية الالكترونية – أو تطبيقات مجانية مدعومة من جهات أخرى، ويمكن أن ننظر إلى تطبيقات المراسلة الثلاث من هذه الزاوية لنجد أن واتساب يتبع شركة رأسمالية كبرى مثل فيسبوك، وتيليجرام يتم تمويله بشكل شخصي من الأخوة دوروف، وسيجنال كتطبيق مجاني مفتوح المصدر تابع لمؤسسة غير ربحية يتم تمويلها عن طريق التبرعات وقرض طويل الأجل بفائدة صفرية من قبل أحد المؤسسين. وفي هذه الحالات الثلاث يمكننا القول أنه لا يوجد ما هو مجاني حقيقةً، في حالة واتساب وتيليجرام فإن معلوماتك هي التي تباع، الفرق بين التطبيقين أنه في الحالة الاولى نحن نعرف تمامًا ما الذي يتم بيعه، في حالة سيجنال فإن البعض يقومون بدفع الثمن عن الكل وطالما تقوم التبرعات بسداد النفقات الخاصة بالتطبيق يمكننا أن نتوقع بقاء التطبيق مجانيًا ومتاحًا للجميع. 

عن الخراف: 

تقوم قطعان الخراف حول العالم في حالات كثيرة بالقفز من فوق جرف عالٍ نحو الموت، يقول الباحثون في سيكولوجيا الخراف أن هذه الحالات ناتجة عن أن الخراف بطبيعتها حيوانات تابعة، لا تفكر كثيرًا في المكان التي تذهب إليه حيث يحاول كل خروف منها اللحاق بذيل الخروف الذي يسير أمامه، بغض النظر عن المكان الذي سيذهب إليه، وعليه فإن أحد الخراف السائرة في طليعة القطيع يقوم بإتخاذ خيار خاطئ في بعض الأحيان مما يؤدي به إلى التردي عن جرف سحيق متبوعًا بباقي القطيع، الذي يقفز ورائه بغير إدراك لنتائج قفزته المحمومة نحو ذيل خروف غبي يسبقه. في الكثير من الأحيان يتصرف البشر كخرافٍ بلهاء، ولربما يقفزون جميعا وراء قائد غُمّ على بصره إلى موتٍ محتوم. 

عن الرأي: 

تستخدم الكثير من الحكومات أو الجماعات شركات متخصصة للتأثير على رأي الجمهور في أمور محددة، وذلك باستخدام البيانات الضخمة التي تبيعها شركات التواصل الإجتماعي وتزويد الخدمات، وذلك لدفع الجمهور إلى القيام بخيارٍ معين في إنتخاباتٍ قادمة أو استفتاءٍ مهم ترغب هذه الحكومة أو الجماعة في الحصول على منفعة منها، وتعتبر شعوب العالم هذا الأمر هو أحد أخطر ما يمكن فعله باستخدام البيانات الخاصة بالمستخدمين، في عالمنا العربي الجميل يقوم الحكام بمصادرة رأيك من دون أن يسألك أحد عنه، وانتهاك خصوصيتك بدون أن تستطيع حتى الإعتراض على ذلك، يتم تفتيشك ذاتيا، تسجيل مكالماتك الهاتفية، تقصي وضعيتك المفضلة لممارسة الجنس، وتسجيلها في سجلات أجهزة الأمن.

عن التفاهة:

نحن تافهون.