وأنا – حسبما اقتضت العادة مني – أخفي همومي ومشاكلي بقناع غريب من اللامبالاة، القليل القليل من التأثر بأمور قد تدفع الكثير من البشر للانتحار، لا يمكنني أن أنفعل بجدية تجاه خسارات شخصية، اتقبل الخسارة بنفس الطريقة التي اتقبل فيها الموت، كل الخسارات موت صغير، وعندما تبدأ بتقبل الخسارة الكبرى، لا يعود للخسارات الصغيرة ذلك المعنى الذي يجعلنا ننفعل حزناً بسببها، ويبدو أن الإنسان قد جبل على الخسارة، فعجنت مع طينه الأول.
أكتب اليوم كي أبوح بحقائق مخفية في داخلي – يمكنك التوقف عن القراءة الآن – حيث أني لا أتقن فن البوح أيضاً، فقد اوجعتني الدنيا كثيراً بسبب صراحتي سابقاً، فآثرت أن أصبح ضبابياً غير قابلٍ للقراءة أو الفهم – وذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين – وقد كان ذلك إلى وقت قريب ملاذاً مناسباً من أذى هذا العالم الموحش، حتى اصطدمت بها، وأصبحت آخر لا أعرفه، يخشى الكثير، ويشعر بالوحدة حقاً كما لم يكن يشعر بها من قبل.
لا أعلم كيف يجب أن أبدأ بالحديث عن نفسي، حيث أني أشعر في هذه اللحظات كمن يتعرى من ثيابه قطعة قطعة، وأنا خجل جداً من روحي العارية، لنبدأ من هنا إذن، أنا أذوب خجلاً عندما أقترب من امرأة أحبها، قد أكون وقحاً أو جريئاً، لكنني أخفي الكثير من الخجل وراء ذلك الشيء، وأخاف حقاً ألا أعجبها، يجتاحني هاجس كلما اقتربت من قلب ما بأنني قد لا أكون جيداً بما يكفي له. أعرف حقاً أنني شخص جيد، أحبني أحياناً، وأعرف بأنني جدير بالحب، لكنني أخاف الحب، وأخاف الانكشاف على من أحب، فخلف هذا الشخص الذي لا يمكن كسره، قلب هش كجناح فراشة، كلما كشفته لشخص لهى به وتركه قطعاً كأحجية – مثل تلك التي تقبع الآن فوق خزانتها – تنتظر أن تجمع، دخلت الكثير من المعارك حيث أن قلبي تلف كثيراً، وأصبح أكثر هشاشة، وأصبحت أكثر خشية عليه من التلف.
كيف يمكن للمرء أن يعرف الآخر حقاً، وكيف له أن يعرف نفسه، أنا لا أعرف نفسي في الواقع، أعرف أني أريد الكثير من الأشياء، لكنني لا أعلم لماذا أريدها، لا أستطيع تفسير الطريقة التي أتعامل بها مع الأمور المختلفة، أرغب أحياناً كثيرة بالهرب من كل شيء والإختفاء إلى الأبد، لكنني لا أستطيع ذلك، أنا وحيد على الدوام، وحيد على الرغم من كل الأشخاص الذين يحيطون بي، غريب بلا وطن في وسط هذا العالم المقفر، روح تائهة في صحراء الملح. أبحث عن وطن أستند اليه، شخص آمن، ملاذ للبكاء، كثير من جراحي لم تشف بعد. وأحتاج كفاً لتمسك كفي وتقول لي، لا تخف، أنا هنا معك، لن تكون وحيداً بعد اليوم.
يبحث الكثير عن المال، يضيع الكثيرون وقتهم وحيواتهم في جمعه والسعي خلفه، المال مفيد حقاً، لكنه لا يملك أي قيمة حقيقية ما لم ينفق، المال وسيلة لا أكثر، لا يمكن لكل أموال العالم أن تشتري للرجل قلباً، ولا يستطيع الرجل أن يحيا بلا قلب.
الوطن، لا شيء اطلاقاً، الوطن فكرة مجردة، ليس مكاناً ولا أشخاصاً، الوطن هو لا شيء طالما لم تستطع إيجاد الشخص الذي تشعر معه في كل وقت أنك في البيت.
لا نموت لأجل الوطن، نموت لأجل الحياة الأفضل، عندما نذهب للموت نرى أننا نقدم الثمن الرخيص لحياة الآخرين، هكذا فقط يمكننا أن نذهب إلى الحرب، أن نقدم أنفسنا كباش فداء، ليحيا البقية. من وقت لآخر، أشعر باللاجدوى في كل ما نفعل، أفقد الرغبة في العمل من أجل الجميع، أينهم، لم لا يقومون بالعمل أيضاً، هل أموت ليقوم ابن عاهرة ما بالسهر للصباح. في الواقع نعم، إننا نموت ليستطيع كل ابن عاهرة السهر للصباح، راقصاً فرحاً سكراناً، إننا نموت لأجل أن ينعم الجميع بهذا الحق. الجميع بدون تمييز البتة.
أنا بسيط جداً إلى الحد الذي تصبح البساطة فيه تعقيداً، أخاف كثيراً فأرمي بنفسي في حضن خوفي، وحيد وغريب في وطن ليس لي، وقلب ليس لي.