عن الموت، الحب، الحياة والرغبة.

لقد كان الموت يحيط بي من كل جانب مذ كنت جنينا في رحم أمي، فأنا التوأم الحي لطفلة ولدت ميتة قبلي ببضع أيام، والطفل الذي ولد قبل ميقاته بشهرين كاملين وأمضى أول أسبوعين من عمره في حاضنة المستشفى لكي يعيش، وقد ولدت بكبد وطحال متضخمين، ومناعة سيئة للغاية، ولم يستطع الأطباء إيجاد حل لمشكلتي فتوقعوا لي أن لا أعيش لأكمل الخمسة سنوات من عمري، وانقذتني أمي من قنبلة غاز سقطت على حجري وأنا في باحة البيت، وتوقف قلبي لاثنتي عشرة دقيقة عندما كنت ابن ثلاث سنوات اثر سقوطي من علِ، وأصابني الصرع مؤقتاً بدون تحذير عندما كنت ابن ست، وكانت ستقتلني نوبة ربو شديدة وأنا ابن سبع، ونوبة حساسية أشد بعمر الثماني، وكأن الحياة حاولت منذ البداية جداً لفظي خارجها، وبقيت عالقا في حلقها رغما عني وعنها على حد سواء، وعلى الرغم من كل هذه التجارب المبكرة إلا أن معرفتي الحقيقية للموت بدأت بعد ذلك ببضع سنين، عندما كنت بعمر العاشرة تقريبا، وبدأت الدنيا من حولي بالاشتعال لتصنع ناراً يوقدها الغضب العظيم والرغبة العميقة في التحرر، وكما يتوقع من شعب يواجه جميع آليات الموت الحديثة بصدر ابنائه العاري، والقليل من السلاح البسيط، سينبت الموت فيه كعشب بري في ربيع الأرض، ويحيط بكل زواياه منبتاً دحنوناً أحمر في كل الزوايا الممكنة.

لقد كنت فتى عادياً بعمر العاشرة عندما اندلعت الانتفاضة، وكما أي فتى في مخيم لاجئين في تلك الفترة، لم تمنحني الحياة الفرصة لكي أكبر بهدوء، وقد ضعت بين الحرب والعاب الفتيان، فأصبحت الحرب لعبة وأصبح الموت رفيق لعب، يأخذ أحدنا أحيانا، وتلاشت بسرعة الفوارق العمرية بين الأجيال، وأصبح الجميع رفاقا في نفس الملعب، لنحتسي الشاي في فترات الراحة فوق أكياس الرمل، أو في بيت لم يكتمل بناؤه، وكانوا يذهبون مع الموت فرادى، ونحملهم للقبور جماعات، ولا يمهلنا الموت أن ننسى طريق المقبرة. ومع الوقت ألفنا الموت، توقعناه ضيفاً ثقيل الظل يأتي فجأة، فوضعنا له كأسا وطبق على كل مائدة، وتركنا له كرسياً في كل جلسة، ومع مرور الأيام، عندما يصبح الرفاق الذين رافقوه أكثر من الذين بقوا في حياتك، ستعلم أن البقاء حياً قد يكون في الكثير من الأحيان خيار أسوأ من الذهاب برفقة الموت.

عندما تكبر بسرعة، وتعتقد أنك ستموت بسرعة أيضاً، تسعى بنفس تلك السرعة لأن تغنم من الحياة أي جزء ممكن، ستجري نحو الحب بسرعة، ستقع كثيراً، وتجرح كثيراً، وقد تزيد جراح قلبك عن جراح جسدك ألما وفداحة، هناك عندما يكون الموت هو الرفيق الذي يأخذ الجميع من حولك، يصبح الحب هو مأمنك المأمول، فهناك يمكنك أن تنتصر على الموت.

لقد كان عمري أربع عشرة سنة عندما وقعت أول مرة، قد يكون ذلك مضحكا في هذه الأيام، لكن في أيامي تلك، كنت قد دفنت ما يزيد على عشر رفاق، ولم أكن أتوقع من نفسي أن أتم الثمانية عشر عاما من العمر، وبذلك فقد كنت متأخرا عن الحياة، ومتلهفاً لها، وقد دخلت الحب كل مرة بنفس اللهفة والشجاعة، وقد كنت جاداً على الدوام، فعلى الرغم من كون العلاقات العاطفية محض العاب شد وجذب متوترة بين شخصين، إلا أنني لم أخن إحداهن البتة، ولم أبتغ سواها معها، فقد كنت على الدوام مقتنعا باختياري ومؤمنا به -وهو أمر غبي في الحقيقة- وحيث أنني لم أتمرس الكذب أو اللعب، ففي العادة لم تدم علاقاتي طويلاً، فلقد تركني جميع من أحببت، وأحببت كل مرة كما لو أنني لم أحبب من قبل، وقد كنت وحيداً معهن جميعاً.

لا أعلم بحق ما هي الحياة، أعرف أنها مرتبطة بالموت، أو بالأصح أنها غيابه، ولكنني في غياب الموت لا أشعر أنني حي بالحقيقة، ما الذي يعنيه أن نحيا؟، هل هي أن نأكل ونشرب ونمارس الجنس؟، أم أن نحارب ونقاتل ونموت؟، هل هي أن نحب؟، هل هي أن نكتب؟، أن نرقص؟، أن نصلي؟، ما الذي تعنيه هذه الملعنة التي تدعى حياة، ها أنا في نهاية النصف الأول من ثلاثينيات عمري، لا أعرف ما الذي يعنيه أن أعيش حقاً، ولا أعلم كيف يمكنني أن أعيش، لكنني أعلم أنني أحتاج القليل القليل من الأشياء في هذه الدنيا، وأعلم أنني تعب جدا ومرهق، وكلما مددت يدي لرفيق يؤنس وحدتي، كسر أصابعها وردها إلي، وأنا الذي فقد الطاقة اللازمة للعتاب، أكتب كثيراً لأنني لا أملك شخصا واحدا أتحدث اليه بدون خوف، ولا حضن آوي إليه كما أنا فيحتوي كل ما أنا فيه من تناقض، ويخبرني بأنني لست وحدي.

أشتهي على الدوام أن أمتلك من الأرض ما يكفيني لأزرع بستانا واسعا من كل ما يمكن أن يثمر، وشاطيء اصطاد السمك عليه، أشتهي أن لا يكون هناك مواعيد سوى مواعيد السماء والأرض، تنضج الحبة فنقطفها، أشتهي أن يشاركني هذه الحياة إحداهن، لا يهمني الكثير في الحقيقة، أشتهي أن تستطيع فهمي، أن تكون معي، أن تسمعني عندما أشعر برغبة في الكلام، أن لا توافقني الرأي على الدوام، أن تحاورني بما تريد، وأن تكون صادقة حقاً، هل كثير أن أشتهي الصدق؟، أليس من الجميل أن يكون أحدهم صادقاً معك على الدوام!. أشتهي أن لا أكون وحيداً بعد اليوم، وأن أمتلك أرضي، وقتي وحياتي، وأن أكون حراً كطير، وبسيطا ككأس ماء، واشتهي أن أحِبّ، وأن أحَبّ، وأن أعيش، وأن أموت. 

عن الحب، الموت والحياة تحت الإحتلال

يبدو الحديث عن الحب في واقع الشعب الفلسطيني ضربا من الرمسنة الخيالية، حيث يخيم موتنا اليومي على المشهد العام، وحيث أننا لا نملك سوى أن نقضي غالبية أوقاتنا في الركض خلف أبسط مقومات حياتنا، حيث أن الحياة -وهو ما لا تخبرنا عنه الروايات العاطفية- مكلفة في الحقيقة، وحيث أننا نشترك مع الغالبية العظيمة من سكان هذه الكرة، الهائمة في الفضاء الشاسع بكوننا نقبع تحت نير الرأسمال العالمي، وحيث يؤمن الكثيرون -للأسف- بوهم الحرية التي تسوقها الليبرالية، حيث يصبح كل فرد هو المسؤول، وحده، عن كل ما يحصل في حياته من خير أو شر، حيث أنك أنت، ولا أحد غيرك هو المسؤول عن كونك لا تجد ما يكفي لتأكل، وأنت وحدك المسؤول عن تحولك في لحظة ما، هدفا لجندي لم يبلغ العشرين من العمر، أراد أن يشعر بطعم الدم، يصبح كل شيء هنا متشابكاً بطريقة غريبة مع كل شيء آخر، وهكذا تصبح حياتنا الشخصية -عاطفية أو غير عاطفية- أمرا سياسيا بالضرورة.

نولد كفلسطينيين في هذا العالم، إثر تراكم الصدف منذ الاف الأعوام، حيث أنه وبطريقة ما لم تنه حياة أحد من أسلافنا المتعددين إحدى الحروب التي قامت على هذه الأرض، ويكاد يكون الموت في حرب ما قد أصبح جزءا أصيلا في تركيبنا البيولوجي، حيث تصبح كل ولادة جديدة لفلسطيني جديد ما يشبه المعجزة، وعندما يقوم أحدنا باتخاذ القرار -غير الواعي- بالزواج والإنجاب، يدرك في داخله أنه يقوم بنذر سلالته القادمة لدفع الثمن المستمر لبقائه الجمعي في هذه الأرض، ولربما كان من المثير للتعجب -لي على الأقل- استمرارنا في الحياة، وكأننا لا نموت.

الموت هنا صديق للجميع، يسير معنا كل يوم في طرقنا العادية، في الذهاب إلى الوظيفة التي نكره، في الطريق إلى المدرسة أو الجامعة، يزورنا حين يريد، لا يوجد في هذه البلاد وقت طبيعي للموت، قد تحيا لقرن من الزمان، وقد تقتلك رصاصة، أو صاروخ، قبل أن تتعلم المشي.

أذكر أنني منذ بداية حياتي أحاول أن أحيا حياة طبيعية -بمقاييس العالم- ولكن طبيعية الحياة التي نحاول أن نحياها ليست ممكنة في هذا الواقع الذي وجدنا أنفسنا فيه، ولربما كنت أوفر حظاً من كثير من أبناء هذا الشعب حيث أن الحياة التي عشتها حتى اللحظة أقرب للطبيعية من الكثير منهم. ولأن الفلسطيني هو إنسان عادي تماما كما أي شخص آخر في هذا العالم، فمن الطبيعي أن يبحث عن السعادة، الحب، والعلاقات الإجتماعية، من الطبيعي جدا أن يرغب في ممارسة أي متع دنيوية تافهة، وأن يسعى دائما للفرح، يرغب في السفر، في رؤية العالم، في لعب الورق على طاولة في مقهى، أو أن يخرج يوما لينصب خيمة في برية ما، ليراقب السماء ليلا، أو أن يمارس هوايته في صيد الأسماك.

خلال سنتي الاولى في الجامعة، تعرفت على مجموعة من الأصدقاء، قضينا أوقاتنا في الحديث عن السياسة، لعب الورق، مناقشة مسلسلات غبية، أو الذهاب لرحلات قصيرة لمدن مختلفة، قمنا بتناول طعامنا سويا، شربنا الكثير من القهوة والشاي، مشينا لكيلومترات من أجل طبق كنافة، ونمنا جميعا في غرفة لا تتسع لنصفنا في سكن أحدنا بسبب اقتحام الإحتلال للبلدة خلال وجودنا في مقهى، اليوم، بعد مرور أربعة عشر عاما على ذلك، لا يوجد لدي ثلاثة أصدقاء أقضي معهم يومي عندما أشعر بالملل، حيث سرقت بعضهم أمور الحياة، وغاب بعضهم في سجون الإحتلال، وهاجر من بقي على قيد الحياة منهم بحثاً عن خلاص فردي، أو حياة أفضل لأجيالهم القادمة.

أن تسافر، هو أن تقضي ساعات كثيرة على مقاعد الإنتظار في انتظار محقق ما ليستجوب رغباتك في السفر والحياة، وكأنما ليس من المسموح لك أن تخرج، أو كأنما كان وجودك في أي مكان في العالم هو جريمة عظمى، حيث يقاس الأمن الداخلي لهذه الدول التافهة بقدرتهم على منع الوجود الفلسطيني فيها، حيث يصبح الفلسطيني هو الوباء الذي تخشاه هذه الكيانات الهشة، ويصبح السفر بالنسبة له هو الطريق الشاق الذي لا يخوضه إلا مضطرا أو مرغما.

أن تحب -أقصد هنا ذلك الحب الذي ترغب خلاله بالموت بجانب من تحب- هو أن تشعر في داخلك بأنك لم تعد وحيداً بعد اللحظة، ونحن أبناء الوحدة نرغب على الدوام بأن لا نكون وحدنا، لكن أن تحب في هذه البلاد هو أمر شاق ومتعب، لا يكفي أن تشعر بشيء ما لكي تحب، لا يكفي أن تحب هنا، هذا الشعور التلقائي بالإعجاب خطر جداً في هذه البقعة من العالم، الحب هنا غريب ومعقد بغرابة حياتنا اللاطبيعية، ومن المطلوب منك بالضرورة، أن تسيطر على مشاعرك اللا إرادية إن كنت لا تريد أن تفقد قلبك. أن تجد من تستطيع أن تراه، من يمكنك لقاؤه، من يشاركك فلسطينيتك كما تراها، الحب هنا أمر سياسي تماما، كما هي الحياة، وستكون تعيساً يا صديقي لو تركت نفسك على هواها، فقد تقع في حب ما يستحيل عليك اللقاء به، أو يستحيل عليكما الحياة سوياً، أو -وهو الأسوأ- أن يكون من تحب من مؤيدي حركة فتح أو الرئيس أبو مازن.

نحاول على الدوام أن نعيش، يقوم الإحتلال بجعل الحياة الطبيعية غير ممكنة في وجوده، يقطعنا إلى مساحات متفرقة معزولة، يقوم بمنعنا من الحركة، قتلنا، حصرنا في سجون متفرقة، لا يعود للفلسطيني هنا إلا إختيار البقاء والقتال، التنازل والتعود، أو الهرب والبحث عن الخلاص الفردي في مكان آخر. يفقد الفلسطيني المتنازل فلسطينيته مع مرور الزمن، يصبح كائنا مختلفاً -فتحاوياً على الأغلب- يستمرئ المذلة والمهانة، يجري على الدوام ليرضى الإحتلال عنه من أجل أن يحصل على تصريح سياحي لزيارة البحر، ولكي يحافظ على ما يتصدق عليه به مشغله -المتعاون مع الإحتلال- من مال، يحاول فيه أن يحيا به حياة عبد سعيد، وهذا ما لا يشبهنا. يهرب المهاجر من وجه القضية، يبحث عن حرية ما، حرية بدون موت، ويموت هناك في أرض باردة لا تشبهنا، لا تقبله سوى أن يسلخ جلده ليشبهها، أن يفقد ما كان هو، ليحاول أن يصبح ما ليس يكون، أما نحن، الذين لا يطيقون أحد الخيارين، فإننا محكومون بلعنة أبدية، لكي لا نستريح، أن نشتهي الحياة، وأن نهرب منها، مدركين تماما لدورنا النهائي في هذه المعركة الدائرة منذ الأزل، كوقود خلق من أجل يحترق، وراغبين على الدوام بأن ننبت أشجاراً أخرى، على أمل أن لا تحترق.

وحيد

وأنا – حسبما اقتضت العادة مني – أخفي همومي ومشاكلي بقناع غريب من اللامبالاة، القليل القليل من التأثر بأمور قد تدفع الكثير من البشر للانتحار، لا يمكنني أن أنفعل بجدية تجاه خسارات شخصية، اتقبل الخسارة بنفس الطريقة التي اتقبل فيها الموت، كل الخسارات موت صغير، وعندما تبدأ بتقبل الخسارة الكبرى، لا يعود للخسارات الصغيرة ذلك المعنى الذي يجعلنا ننفعل حزناً بسببها، ويبدو أن الإنسان قد جبل على الخسارة، فعجنت مع طينه الأول. 
أكتب اليوم كي أبوح بحقائق مخفية في داخلي – يمكنك التوقف عن القراءة الآن – حيث أني لا أتقن فن البوح أيضاً، فقد اوجعتني الدنيا كثيراً بسبب صراحتي سابقاً، فآثرت أن أصبح ضبابياً غير قابلٍ للقراءة أو الفهم – وذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين – وقد كان ذلك إلى وقت قريب ملاذاً مناسباً من أذى هذا العالم الموحش، حتى اصطدمت بها، وأصبحت آخر لا أعرفه، يخشى الكثير، ويشعر بالوحدة حقاً كما لم يكن يشعر بها من قبل. 
لا أعلم كيف يجب أن أبدأ بالحديث عن نفسي، حيث أني أشعر في هذه اللحظات كمن يتعرى من ثيابه قطعة قطعة، وأنا خجل جداً من روحي العارية، لنبدأ من هنا إذن، أنا أذوب خجلاً عندما أقترب من امرأة أحبها، قد أكون وقحاً أو جريئاً، لكنني أخفي الكثير من الخجل وراء ذلك الشيء، وأخاف حقاً ألا أعجبها، يجتاحني هاجس كلما اقتربت من قلب ما بأنني قد لا أكون جيداً بما يكفي له. أعرف حقاً أنني شخص جيد، أحبني أحياناً، وأعرف بأنني جدير بالحب، لكنني أخاف الحب، وأخاف الانكشاف على من أحب، فخلف هذا الشخص الذي لا يمكن كسره، قلب هش كجناح فراشة، كلما كشفته لشخص لهى به وتركه قطعاً كأحجية – مثل تلك التي تقبع الآن فوق خزانتها – تنتظر أن تجمع، دخلت الكثير من المعارك حيث أن قلبي تلف كثيراً، وأصبح أكثر هشاشة، وأصبحت أكثر خشية عليه من التلف. 
كيف يمكن للمرء أن يعرف الآخر حقاً، وكيف له أن يعرف نفسه، أنا لا أعرف نفسي في الواقع، أعرف أني أريد الكثير من الأشياء، لكنني لا أعلم لماذا أريدها، لا أستطيع تفسير الطريقة التي أتعامل بها مع الأمور المختلفة، أرغب أحياناً كثيرة بالهرب من كل شيء والإختفاء إلى الأبد، لكنني لا أستطيع ذلك، أنا وحيد على الدوام، وحيد على الرغم من كل الأشخاص الذين يحيطون بي، غريب بلا وطن في وسط هذا العالم المقفر، روح تائهة في صحراء الملح. أبحث عن وطن أستند اليه، شخص آمن، ملاذ للبكاء، كثير من جراحي لم تشف بعد. وأحتاج كفاً لتمسك كفي وتقول لي، لا تخف، أنا هنا معك، لن تكون وحيداً بعد اليوم. 
يبحث الكثير عن المال، يضيع الكثيرون وقتهم وحيواتهم في جمعه والسعي خلفه، المال مفيد حقاً، لكنه لا يملك أي قيمة حقيقية ما لم ينفق، المال وسيلة لا أكثر، لا يمكن لكل أموال العالم أن تشتري للرجل قلباً، ولا يستطيع الرجل أن يحيا بلا قلب. 
الوطن، لا شيء اطلاقاً، الوطن فكرة مجردة، ليس مكاناً ولا أشخاصاً، الوطن هو لا شيء طالما لم تستطع إيجاد الشخص الذي تشعر معه في كل وقت أنك في البيت. 
لا نموت لأجل الوطن، نموت لأجل الحياة الأفضل، عندما نذهب للموت نرى أننا نقدم الثمن الرخيص لحياة الآخرين، هكذا فقط يمكننا أن نذهب إلى الحرب، أن نقدم أنفسنا كباش فداء، ليحيا البقية. من وقت لآخر، أشعر باللاجدوى في كل ما نفعل، أفقد الرغبة في العمل من أجل الجميع، أينهم، لم لا يقومون بالعمل أيضاً، هل أموت ليقوم ابن عاهرة ما بالسهر للصباح. في الواقع نعم، إننا نموت ليستطيع كل ابن عاهرة السهر للصباح، راقصاً فرحاً سكراناً، إننا نموت لأجل أن ينعم الجميع بهذا الحق. الجميع بدون تمييز البتة.
أنا بسيط جداً إلى الحد الذي تصبح البساطة فيه تعقيداً، أخاف كثيراً فأرمي بنفسي في حضن خوفي، وحيد وغريب في وطن ليس لي، وقلب ليس لي.