من العربي القديم إلى العربي الجديد.

أطلّ علينا مدير تحرير صحيفة ما بنص قصير يدور حول أضرار الحرب على الحرية ومدافعا عن حق الانسان بتكوين رأي مضاد للحرب والقتال، وضد الأيدولوجيات المقاومة وأحزابها، ومشككا في جدوى القتال في ظل عدم تكافؤ القوى والتمايز العظيم في حجم الخسائر البشرية والمادية بيننا وبين العدو، ومتعاملا مع الانتصار كأنه معادلة حسابية بسيطة وأمرا ماديا بشكل مطلق، وهذا إن نطق عن شيء فإنما ينطق عن ايدولوجيا هذا الشخص والصحيفة، والتي يعبر عنها بشكل واضح اسم هذه الصحيفة وهو العربي الجديد، وكأن العربي يحتاج أن يصبح نسخة متماهية مع الغرب وفاقدة للروح تتعامل مع الاشياء بمادية مطلقة وفردانية غبية، وكأن الأمور جميعا تقاس بمقارنات الارقام عبر احصائيات بسيطة.

وهنا أود أن أقول للاخوة العرب الجدد، أننا نحن العرب القدماء، لا نستطيع استيعاب هذا الجنون الذي تقولونه، أي سفه هذا، نحن العرب اللذين يموتون منذ بدء الخليقة دفاعا عن أرضهم وحياضهم ومائهم وعرضهم وكرامتهم، اللذين لا يفرق معهم كون خصمهم أقوى رجال الأرض أو أعظم امبراطورياته، نحن اللذين “نورد الرايات بيضا- ونصدرهن حمرا قد روينا” ونحن اللذين “نبكي حين قتلكم عليكم – ونقتلكم كأنا لا نبالي” ونحن الذين نحفظ وصايا الآباء بأن ” وقاتلوا القوم أن القتل مكرمة – إذا تلوى بكف المعصم العرف”، فنحن الذين قاتلنا الفرس وهم قوة عظمى من عالم ثنائي القطب في ذي قار وغيره قبل الاسلام، ونحن اللذين قاتلنا الروم ونحن قلة بعد الاسلام، فهل تعلم كم قتل من ابرياء العرب أو كم سبي لهم من نساء أو ذبحت أطفال وهدمت حواضر وبيوت في كل تلك المواقع، أوتعتقد أن الكرامة تقاس بعدد القتلى أو بحجم الخسائر بالدولار؟، بل والله لا تعقلون.

إن صراع الضعيف للقوي هو صراع الغزالة للسبع، فحيث يمتلك السبع كل قوة الدنيا بوجه الغزالة، إلا أن الغزال لا يحتاج سوى أن يتعب السبع أكثر بقليل مما يستطيع الاحتمال، فيتوقف عن الركض، وينهار متعبا، إن القدرة على التحمل كانت أهم ما يمتلك الانسان للبقاء في العالم القديم والازدهار، حيث أنك لا تحتاج أن تقاتل الثور أو الماموث حقيقة، انما تحتاج أن تحافظ على مشاغلته حتى ينهار من التعب، وهي معركة يفوز فيها من يمتلك القدرة على الإحتمال أكثر من الآخر، فهل يستطيع الاحتلال احتمال كلفة القتال المستمر لو لم تتوقف حالة المقاومة المستمرة عن التطور ومراكمة الانجازات، حسب ما أعلمنا التاريخ فالإجابة هي لا، وأن الحل الذي يتخذه المستعمر في هذه الحالات لتخفيف الضغط المتزايد عنه هو خلق نسخة جديدة من المستعمَر، تنادي بانعدام الجدوى من القتال، وإمكانية النضال بدون دماء، باروقة الدبلوماسية العالمية، وبالكتابة والغرافيتي والمظاهرات السلمية، وتفتيت الصراعات لصراعات فرعية، وهو ما يظهر لنا ضرورة وجود عربي جديد، وقد يكون هذا هو الهدف من امكانية اقامة مكاتب هذا العربي في عاصمة الاستعمار التاريخية.

إن أساسيات الحرية والتنوع في صفوف مجتمع ما هو تقبله للاختلافات الفكرية والايدولوجيات المختلفة المتواجدة فيه، ولن تجد شعبا أكثر تقبلا للاختلاف السياسي والديني من الشعب الفلسطيني، وعلى سبيل المثال، فإن عائلتي الممتدة تمتلك في داخلها منتمين وكوادر عاملة في جميع الأحزاب الفلسطينية تقريبا، يتفق الجميع على فلسطين ويختلفون على كل شيء آخر، ما عدا المقاومة كطريق للتحرير -أقصد المقاومة العنيفة أما مقاومة الشموع والغرافيتي فيمكنكم دفعها في أعمق نقطة يمكنكم الوصول لها في مؤخراتكم الليبرالية المسالمة- فما اللذي يمنح احدكم الحق في تقرير ما هو المناسب لطموح الشعب الفلسطيني في التحرر، حيث أن كل فلسطيني يمتلك طموحا وتصورا مختلفين عن الآخر، والميدان مفتوح لكي تعمل للتحرير بطريقتك وتصورك، أما نقاشات وصراعات ما بعد التحرير فهي سفسطة فارغة لا معنى لها قبل حصول فعل التحرير، ولو كانت مؤخرتك تستطيع تحريرها بدون ضحايا فحكها وأرنا ذلك لنصلي لك.

في النهاية، قد يقتلنا الاستعمار بالجملة، علينا أن لا ننسى أننا نقاتل العالم أجمع، وأن اليد التي تقاتل المخرز، ستخرج من المعركة مقطوعة الأصابع مدماة الكف، لكنها ستنتصر في النهاية، وستنبت خلفها أياد ناعمة طرية لم تعرف الموت، وستحمل بعدنا الأجيال منجل.

عن السلطة والسيادة في جيوسياسة الأمر الواقع في الضفة الغربية

منذ بداية حلول السلطة الفلسطينية محل الإدارة المدنية لجيش الإحتلال، في إدارة مقدرات الشعب الفلسطيني القاطن في الضفة الغربية وقطاع غزة -لاحقا لتوقيع اتفاقات اوسلو 1 و 2- وهي تقوم بمخاطبة الشعب الفلسطيني بخطاب الدولة الفلسطينية ذات السيادة، والإعلان عن إنجازاتها الوطنية العظيمة -كما يتم التسويق لها- من انشاء المؤسسات والحصول على اعترافات دولية وغيرها من الإنجازات التي لا تقوم بتغيير الوضع السياسي للشعب القابع تحت الإحتلال نحو الأفضل بل وعلى العكس فإن المراقب للتغيرات الحاصلة على أرض الواقع سيلاحظ أن الوضع يتحرك بإنحدار متسارع نحو نقطة اللا عودة، حيث يستمر الوضع السياسي الفلسطيني بالتدهور حتى مرحلة لا يعود فيها من الممكن إجراء أي تقدم باتجاه الحرية والإستقلال.

بناءًا على إتفاقيات اوسلو الموقعة بين قيادة منظمة التحرير الفلسطينية والإحتلال الاسرائيلي، تم تقسيم أراضي الضفة الغربية إلى ثلاثة أقسام إدارية مختلفة (أ، ب، ج) حيث تخضع مناطق أ لسيطرة السلطة الفلسطينية الأمنية والمدنية -نظرياً- وتخضع مناطق ب لسيطرة السلطة الفلسطينية مدنياً ولسيطرة الإحتلال أمنياً، بينما تخضع مناطق التصنيف ج للسيطرة المدنية والأمنية الكاملة للإحتلال الاسرائيلي، وحيث أن مناطق التصنيف ج تشكل أكثر من 60% من مجمل أراضي الضفة الغربية، وهي في غالبيتها مناطق ذات كثافة سكانية فلسطينية منخفضة، حيث اعتمدت هذه التقسيمات الإدارية على تركيز السكان الفلسطينيين في المناطق كأساس لتصنيفها، وأبقت المناطق ذات القيمة الإقتصادية والطبيعية العظمى تحت التصنيف ج، حيث تعتبر المناطق ج مناطق غنية بالموارد الطبيعية، ذات قيمة زراعية عالية، أو ذات أهمية استراتيجية وعسكرية عالية.

تتوزع المناطق ذات التصنيفات أ و ب على ما يقارب 200 بقعة يفصل بينها مساحات من الأراضي المصنفة ج، تسيطر المستوطنات الإسرائيلية على ما يقارب 42% من مساحة أرض الضفة الغربية تتركز غالبيتها في مناطق التصنيف ج وبعض مناطق التصنيف ب، يصنف الإحتلال ما يقارب 20% من مساحة الضفة الغربية كمناطق عسكرية مغلقة، يسيطر الإحتلال على طرق الوصل بين التجمعات الفلسطينية بشكل كلي، 70% من مناطق التصنيف ج هي مناطق ممنوعة على الفلسطينيين، ويكاد يكون من المستحيل عليهم البناء والإنشاء في ال 30% الباقية منها، في المقابل يقوم الإحتلال بهدم المباني الفلسطينية في مناطق ج بحجة عدم الترخيص بشكل روتيني حيث أنه قد صدر منذ توقيع اتفاق اوسلو ما يزيد على 14000 أمر هدم بحق مباني ومنشآت فلسطينية في هذه المناطق. بالاضافة إلى ذلك قام الإحتلال بضم مستوطنات القدس الشرقية ومحيط مدينة القدس إلى نطاق صلاحية بلدية القدس وبذلك تصبح هذه المستوطنات خارج آمال أكثر المتفائلين بامكانية الحل السلمي.

إن مفردة السلطة في أكثر تعاريفها المعجمية بساطة تعني السيطرة والتحكم، وفي تعريفها الاصطلاحي هي قدرة الجهة او الشخص على فرض أنماط معينة للتعامل على أفراد آخرين، وبالمقابل تعني السيادة امتلاك الشخص او الجهة الحق في اتخاذ القرارات واتيان الأفعال بشكل مستقل بعيدا عن أي تأثيرات خارجية، ونظرا للتعاريف السابقة، يمكننا أن نرى بكل بساطة أن الوضع الجيوسياسي القائم في الضفة الغربية لا يسمح بأي طريقة كانت امتلاك الجهة الحاكمة لأي سلطة أو سيادة خارج السيطرة الإحتلالية المباشرة، ولكن في الواقع إن هذا الوضع بالتحديد هو ما يجعل أي جهة تحاول السيطرة على مقتضيات الحكم فيه مضطرة -إن لم تكن راغبة- بالتموضع في صف الإحتلال الاسرائيلي كعدو للشعب الفلسطيني.

رجوعا إلى الوضع الجيوسياسي للمنطقة، يمكننا ملاحظة أن سياسات الاستيطان والسيطرة الأمنية على الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية، وتسارع مستويات الاستيطان، حيث وصل عدد المستوطنون في مستوطنات الضفة الغربية فقط ما يقارب 350 الفا في العام 2018، هي سياسات فرض جغرافيا معينة على المجاميع الفلسطينية الباقية في أرضها بشق الأنفس، حيث تضع هذه السياسات السكان في حالة تجمع في ما يشبه الغيتوهات المفصولة عن بعضها، القابعة تحت مراقبة وسيطرة سلطات الاحتلال المباشرة، وحيث أن هذه الغيتوهات لا تملك الموارد الكافية للإستقلال -كل على حدة أو سويا- عن الإحتلال المسيطر على الموارد الطبيعية جميعا، فإنه ليس من الممكن قيام أي سلطة ذات سيادة في هذا الواقع، وعليه فإن محاولة إقامة أي نظام حكم مركزي هو فكرة لا واقعية في أحسن الحالات، ومتواطئة مع الاحتلال في اسوأها، حيث تحول الشعب الفلسطيني تحت هذه الانظمة إلى مجموعة من الأسرى في سجون متفرقة، حيث تكون منظومة الحكم المحلية في هذه الحالة أشبه بشركات تدير هذه السجون لمصلحتها الخاصة، حيث تتعامل هذه الشركات مع الأسرى -المواطنون في هذه الحالة- كمصادر دخل أو قطعان من الماشية تزداد قيمتها الانتاجية بتزايد أعدادها طالما لم تؤد هذه الزيادات إلى التسبب بمشاكل أمنية أو عمليات هروب من حيز السجن/ الغيتو، ونقل الضرر إلى مناطق المواطنة الطبيعية -المتمثلة بالإحتلال في هذه الحالة- حيث يعتبر السجناء/الشعب الفلسطيني كائنات أدنى مرتبة من البشر القاطنين خارج الأسوار.

في العام 2005 وبعد فشل الإحتلال الاسرائيلي في وقف اطلاق الصواريخ على مستوطنات قطاع غزة في الحملة التي شنها على المقاومة (أيام الغضب) في نهاية العام 2004، اتخذت القيادة السياسية العليا للاحتلال قرارا بالانسحاب من خمس وعشرون مستوطنة من ضمنها اربع مستوطنات في محافظة جنين بالاضافة لمستوطنات قطاع غزة كاملة، وعلى الرغم من كون هذا الانسحاب -فك الارتباط- احادي الجانب قد جاء بقرار احتلالي منفرد، لكنه وبلا شك كان نتيجة لاستمرار المقاومة في كل من قطاع غزة وجنين في تحميل هذا الاحتلال تكاليف باهضة لوجوده في هذه الجغرافيا، وحيث اصبح التشابك المعقد بين الوجود الفلسطيني والإحتلال سببا لتكليف هذا الجسم ما لا يستطيع المحافظة فيه على الأمر الواقع، وهو ما قام بتغيير الجغرافيا -والتاريخ فيما بعد- في كل من غزة المحاصرة، وجنين، حيث نشاهد اليوم بعد ستة عشر عاما من تلك اللحظة، مقاومة فلسطينية قادرة على فرض معادلات ردع، واستهداف العدو في مواقع حساسة، واستطاعت جنين الحفاظ على تموضعها المقاوم على الرغم من كل محاولات الاستلاب والسيطرة من قبل الإحتلال، أو أنصار الحلول السلمية، تاركة لنا كأبناء لهذا الشعب مثالا واضحا عن ما يحصل عندما يضع المقاتلون السلاح، ويتجهون لطاولات التفاوض، حيث يمكن لرأس حكومة ما، أن يوقفه جندي بلا رتبة على طريق رئيس، أو تختنق مدينة ما، بكل ما يمكن من مظاهر السلطة، بينما ينتهكها الجيش الإحتلالي بشكل شبه يومي، وما يمكن أن يحدث لو استطعنا، بمقدراتنا البسيطة فرض تغيير جزئي أو كلي على الواقع المفروض علينا، وأستطعنا بالمقاومة المسلحة -والمسلحة وحدها- الإفلات من فخ جغرافيا الأمر الواقع، متجهين بخطى ثابتة، نحو التحرر والإستقلال، بسيادة كاملة، في كل البلاد.

عن وهم الحكومة المقاومة في الضفة الغربية وجيوسياسية دولة الكلاب الدلماسية.

تقوم الحكومات في العالم -بالعادة- بإدارة مصالح وتوفير المتطلبات الأساسية -على الأقل- للأفراد الذين يتبعون لها إدارياً وإجتماعياً، وهذا الأمر يتطلب من الحكومات توفير خدمات معينة بشكل منهجي مثل الصحة، التعليم، حل الخلافات الداخلية بين مكونات المجتمع، السيطرة على الجريمة، وغيرها الكثير، وهذا ما يتطلب من الحكومة القدرة على توفير الموازنات اللازمة، انتاج أو استجلاب المواد الرئيسية المرتبطة بكل هذه الخدمات، وهو ما يتطلب نوع من السيطرة على الحدود وعلاقات دبلوماسية جيدة -نسبياً- مع الدولة/الدول التي تتشارك معها هذه الحدود، أو امتلاك ممر مائي حر يتصل بالمياه الإقليمية.

تحتاج الحركات المقاومة -على أقل تقدير- إلى الية لتوفير السلاح، حلفاء استراتيجيين، وامكانية تأمين الإمدادات اللوجستية اللازمة لاستمرارية عناصرها بالعمل المسلح ضد العدو، يتعقد الأمر أكثر عندما تكون هذه الحركة المقاومة تقوم بدور الحكومة أيضاً، حيث تضاف إلى احتياجاتها كحركة مقاومة، إحتياجات الحكومة -المشار إليها أعلاه- وذلك لقيامها بدور إدارة مصالح المجتمع في نفس الوقت الذي يجب عليها القيام بدورها المقاوم في مواجهة العدو.

في حالة السلطة الفلسطينية القائمة حالياً، فإن بناء المنظومة العامة لهذه السلطة يتطلب منها -للقيام بالحد الأدنى من واجباتها تجاه السكان- الحفاظ على علاقة جيدة مع حكومة الاحتلال وذلك انطلاقا من سيطرة الاحتلال التامة على المعابر والحدود، الموانيء البحرية والجوية، حركة الاستيراد والتصدير، والمياه الإقليمية. وحيث أن العلاقة الجيدة مع الإحتلال تتناقض بشكل جذري مع صفة المقاومة، فقدت السلطة -أو حركة المقاومة المرتبطة بها- صفتها الاساسية كحركة مقاومة. وأدى التعاون مع العدو -الكائن بالاحتلال- إلى اكتسابها تلقائيا صفة العمالة -حيث يتم تعريف العمالة بأنها التعاون مع العدو لتحقيق مصالح مشتركة- وهو ما تفعله هذه السلطة علنا وبلا خجل ولا استحياء.

تتصف المناطق التي تسيطر عليها -وهميا- السلطة الفلسطينية بكونها أشبه ببقع على فراء كلب دلماسي(أنظر الصورة أدناه)، بالمقابل يتمتع قطاع غزة بسيطرة تامة على الأرض، ووجود حدود مباشرة-على الرغم من السيطرة عليها من جهات أخرى- مما يمنحه أفضلية من ناحية امكانية حفاظ الجسم الإداري فيه على النهج المقاوم وإدارة مقدرات السكان وإحتياجاتهم، وهو ما يجعله يستطيع الصمود على الرغم من الحصار المفروض عليه. وفي الجهة المقابلة فإن جغرافيا السلطة في الضفة الغربية تمنعها حتى من التواصل بين البقع المتفرقة والمنفصلة منها بدون رضا الإحتلال عن هذا التواصل، مما يجعل من الضرورة الوجودية لأي حكومة تقوم بالسيطرة على المفاصل الإدارية لهذه البقع القيام بالتعاون المشترك مع الجسم الوحيد الذي يمتلك القدرة على قطع مصادرها الى حد الاختناق وهو الاحتلال، وعليه فإن من المستحيل قيام حكومة مقاومة في هذه الجغرافيا، وإن محاولة الوصول إلى مقاليد الحكم في هذه السلطة هو بمثابة انتحار سياسي للجهة التي تقوم به.

مناطق الحكم الذاتي الخاضعة للسيطرة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة باللون الاخضر الغامق.

ونظرا إلى واقع وطبيعة دويلة بقع الكلاب الدلماسية الخصية(لمعلومات اكثر عن الكلب الدلماسي انظر الصورة أدناه)، فإن الرضا عن ممارسات هذه الدويلة من قبل الإحتلال هو الأساس الوحيد لاستمرارها بالبقاء، وعليه فإن قيام هذه الدويلة بقمع وملاحقة كل فعل مقاوم، ومحاولة هدم الوعي الشعبي الرافض للوجود الاحتلالي، وتمييع اللغة العامة -حيث أن الانسان لا يستطيع التفكير بما لا تستطيع لغته التعبير عنه- هي ممارسات طبيعية ومتوقعة منها، بل ومن المتوقع من أي جهة كانت -مهما كانت وطنية- في حالة وقوعها في فخ القبول بالإدارة السياسية لهذه الدويلة، أن ترضخ لهذه المحددات وأن تتحول -مع الوقت- إلى كيان سياسي خصي راضخ تحت أقدام المنظومة الإحتلالية.

كلب دلماسي

وقد يكون -برأيي الشخصي- ما حدث في 2007 من سيطرة عسكرية لحركة حماس في قطاع غزة، وانتزاعها -بالقوة- لجميع مقاليد الحكم والسيطرة على الواقع والجغرافيا هناك، هو المهرب الوحيد من المأزق الذي أودى بها فيه نجاحها الكاسح في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني 2006، حيث آثرت الانفصال عن الجسم الكلي للوطن، وهو ما لم يكن من الممكن تنفيذه بدون إنسحاب الإحتلال الإسرائيلي من غزة عام 2005، والذي وفر جغرافيا جديدة قابلة للتعامل معها كحركة مقاومة، على العكس من وضع الضفة المتردي بإطّراد، والذي سيستمر بالتردي طالما استمر وجود هذه المنظومة في هذه الجغرافيا.

وعليه وكتلخيص لما سبق، أعتقد جازماً باستحالة قيام كيان حكومي مقاوم قادر على الاستمرار في الجغرافيا الموجودة حالياً، حيث لا يمكن لهذه الحكومة تأمين ضرورات الحياة لأفراد المجتمع، ولا تأمين السلاح اللازم لمقاومة وفرض سيطرة دائمة على جغرافيا بديلة منتزعة من أيدي الإحتلال الممتدة في كل زوايا الوطن، وليس من الممكن تأسيس قوة منظمة فاعلة ضد الإحتلال في وجود هذه المنظومة التي تعمل على الدوام لملاحقة وانهاء كل من يفكر بمقاومة هذا الاحتلال، وعليه علينا -مع الأسف- العودة الى الوراء والتخلي عن وهم الحكم الذاتي في الضفة الغربية، والعودة الى جغرافيا الاشتباك الشامل، حيث يتواجد الشعب الفلسطيني في كل زوايا البلاد.

عن أثر التنازلات الفردية الطفيفة على مستقبل الجماعة

عن أثر التنازلات الفردية الطفيفة على مستقبل الجماعة، في نقاش بسيط بيني وبين رفيق لي حيث تمت مهاجمة موقفي الراديكالي من أي تعامل لأي فرد مع الاحتلال الإسرائيلي ومؤسساته، حيث دار النقاش حول موقفي الرافض لأي نوع من التنازلات، بدءاً بزيارة البلاد عن طريق استصدار تصريح دخول أو تأشيرة  وصولاً إلى التعامل المباشر مع مؤسسات الاحتلال الثقافية والاجتماعية، والتعامل التجاري، الأكاديمي، الثقافي، السياسي والمجتمعي. حيث أخذ الرفيق المذكور أعلاه موقفاً مبرراً للتنازلات الفردية المتمثلة في زيارة البلاد والأقارب عن طريق استصدار تأشيرة أو تصريح دخول وموقفاً متلطفاً من زيارات المجموعات الثقافية والفنية للبلاد وذلك لأن ” الناس بدها تعيش”، وطارحاً الكثير من الأسباب الإنسانية المقنعة لهذه التنازلات الفردية، وحيث أنني لا أجد في نفسي شخصاً جديراً في أن يفرض رأيه على أحد، فإنني وقبل أن أقوم بتوضيح وجهة نظري أشير إلى أنني لا أوجه إصبع الاتهام إلى أحد، ولا أوجه لومي وانتقادي لكل من قرر أن يعيش عن طريق تقديم أي نوع من هذه التنازلات أو المشاركة بها، ولكنني أقدم رأياً فردياً خاصاً، والذي قد لا يكون صحيحاً بالضرورة.

قبل ما يزيد عن ال 10000 سنة وخلال العصر الجليدي الأخير كانت الذئاب تجوب العالم بحثاً عن الطرائد، حيث شح الغذاء وعاشت الذئاب في تلك الحقبة مرحلة صعبة حيث كانت ندرة الطرائد وصعوبة الوصول إليها إحدى المعضلات التي واجهتها هذه الحيوانات، وتتميز الذئاب عن الكثير من الحيوانات بنظامها الاجتماعي الاستثنائي حيث تعيش في قطعان منظمة بطريقة مثيرة للاهتمام وتحمي مناطق نفوذها ومحيط وكرها، وتدافع عن أرضها بشراسة تثير الإعجاب، ولا تقبل الذئاب التعدي على مناطق نفوذها، ولا تتهرب من المواجهة، ولكن في تلك الفترة قررت بعض الذئاب أنها ” بدها تعيش ” وبدأت تحوم حول التجمعات الإنسانية ملتقطة بقايا طعام البشر التي تستطيع الحصول عليها، وبهذا التنازل الطفيف والتحول من حصولها على الغذاء بنفسها عن طريق الصيد إلى الإقتيات على فضلات البشر بدأت قصة التحول المحوري في حياة هذه الذئاب.

لاحظ البشر وجود الذئاب المفترسة من حولهم، بل ولاحظوا أن هذه الكائنات التي كانت مفترسة شرسة في السابق، تحاول تفادي الاحتكاك العنيف معهم، وتبحث في فضلات موائدهم عن طعام يبقيها فأدرك الإنسان أن هذه الذئاب الرهيبة قد عضها الجوع حتى عضت على كرامتها وبدأت في التنازل عن مبادئها مقابل الحياة، وعندها بدأ الانسان بدوره الرئيسي في تحويل الحيوان المفترس الخطر إلى مدافع رئيسي عنه وعن ممتلكاته، فبدأ بالاحتفاظ بفضلات الطعام وتقديمها للذئاب بيده، وإعطاء الحصة الأكبر للذئب الذي يقوم بطلب المساعدة منه، وحرمان الذئاب التي أنفت التعامل مع البشر منه، ومن ثم بدأ الإنسان يقرر من يبقى ومن يموت من هذه الذئاب، حيث كان يختار الذئاب الوفية، المستسلمة له، ويتخلص من كل من تسول له نفسه أن يتوحش، ومع مرور السنين تغيرت الذئاب وأظهرت الصفات التي تناسب البشر من وفاء ووداعة وطاعة عمياء، وفي النهاية استطاع البشر تحويل الذئب المفترس الى كلب بودل، بسبب سلسلة من التنازلات الطفيفة التي قدمها افراد من هذه الذئاب، فقط لأنها “بدها تعيش”.

في رأيي الشخصي لا يجب على أي فرد من أفراد الشعب الفلسطيني، تقديم أي نوع من التنازلات الطفيفة هذه، لأي سبب كان، وإن لم يكن من خيار سوى أن نموت، فليكن ذلك، من الأفضل لنا أن نموت ذئاباً على أن نحيا ككلاب بودل وديعة، لا شيء في الدنيا يمكن أن يبرر تقديم التنازل لمحتل يحاول تدجيننا في كل فرصة، يجب علينا أن لا نخرج هذا العدو من موقعه الطبيعي كشوكة في خاصرة كل فرد منا، تمنعنا من أن نحيا حياة طبيعية نصبو إليها، من أن نلتقي أحبابنا وأن نرى بلاداً أخرجنا منها، من أن نأكل وأن “نعيش” وأن نحلم، فعندما يفقد الذئب أي خيار للحياة، عليه أن يقاتل ليحصل عليها. وعلينا أن نختنق وألا نرى سوى البندقية طريقاً “عشان نعيش”.

كلب وذئب جنبا إلى جنب