وحيد

وأنا – حسبما اقتضت العادة مني – أخفي همومي ومشاكلي بقناع غريب من اللامبالاة، القليل القليل من التأثر بأمور قد تدفع الكثير من البشر للانتحار، لا يمكنني أن أنفعل بجدية تجاه خسارات شخصية، اتقبل الخسارة بنفس الطريقة التي اتقبل فيها الموت، كل الخسارات موت صغير، وعندما تبدأ بتقبل الخسارة الكبرى، لا يعود للخسارات الصغيرة ذلك المعنى الذي يجعلنا ننفعل حزناً بسببها، ويبدو أن الإنسان قد جبل على الخسارة، فعجنت مع طينه الأول. 
أكتب اليوم كي أبوح بحقائق مخفية في داخلي – يمكنك التوقف عن القراءة الآن – حيث أني لا أتقن فن البوح أيضاً، فقد اوجعتني الدنيا كثيراً بسبب صراحتي سابقاً، فآثرت أن أصبح ضبابياً غير قابلٍ للقراءة أو الفهم – وذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين – وقد كان ذلك إلى وقت قريب ملاذاً مناسباً من أذى هذا العالم الموحش، حتى اصطدمت بها، وأصبحت آخر لا أعرفه، يخشى الكثير، ويشعر بالوحدة حقاً كما لم يكن يشعر بها من قبل. 
لا أعلم كيف يجب أن أبدأ بالحديث عن نفسي، حيث أني أشعر في هذه اللحظات كمن يتعرى من ثيابه قطعة قطعة، وأنا خجل جداً من روحي العارية، لنبدأ من هنا إذن، أنا أذوب خجلاً عندما أقترب من امرأة أحبها، قد أكون وقحاً أو جريئاً، لكنني أخفي الكثير من الخجل وراء ذلك الشيء، وأخاف حقاً ألا أعجبها، يجتاحني هاجس كلما اقتربت من قلب ما بأنني قد لا أكون جيداً بما يكفي له. أعرف حقاً أنني شخص جيد، أحبني أحياناً، وأعرف بأنني جدير بالحب، لكنني أخاف الحب، وأخاف الانكشاف على من أحب، فخلف هذا الشخص الذي لا يمكن كسره، قلب هش كجناح فراشة، كلما كشفته لشخص لهى به وتركه قطعاً كأحجية – مثل تلك التي تقبع الآن فوق خزانتها – تنتظر أن تجمع، دخلت الكثير من المعارك حيث أن قلبي تلف كثيراً، وأصبح أكثر هشاشة، وأصبحت أكثر خشية عليه من التلف. 
كيف يمكن للمرء أن يعرف الآخر حقاً، وكيف له أن يعرف نفسه، أنا لا أعرف نفسي في الواقع، أعرف أني أريد الكثير من الأشياء، لكنني لا أعلم لماذا أريدها، لا أستطيع تفسير الطريقة التي أتعامل بها مع الأمور المختلفة، أرغب أحياناً كثيرة بالهرب من كل شيء والإختفاء إلى الأبد، لكنني لا أستطيع ذلك، أنا وحيد على الدوام، وحيد على الرغم من كل الأشخاص الذين يحيطون بي، غريب بلا وطن في وسط هذا العالم المقفر، روح تائهة في صحراء الملح. أبحث عن وطن أستند اليه، شخص آمن، ملاذ للبكاء، كثير من جراحي لم تشف بعد. وأحتاج كفاً لتمسك كفي وتقول لي، لا تخف، أنا هنا معك، لن تكون وحيداً بعد اليوم. 
يبحث الكثير عن المال، يضيع الكثيرون وقتهم وحيواتهم في جمعه والسعي خلفه، المال مفيد حقاً، لكنه لا يملك أي قيمة حقيقية ما لم ينفق، المال وسيلة لا أكثر، لا يمكن لكل أموال العالم أن تشتري للرجل قلباً، ولا يستطيع الرجل أن يحيا بلا قلب. 
الوطن، لا شيء اطلاقاً، الوطن فكرة مجردة، ليس مكاناً ولا أشخاصاً، الوطن هو لا شيء طالما لم تستطع إيجاد الشخص الذي تشعر معه في كل وقت أنك في البيت. 
لا نموت لأجل الوطن، نموت لأجل الحياة الأفضل، عندما نذهب للموت نرى أننا نقدم الثمن الرخيص لحياة الآخرين، هكذا فقط يمكننا أن نذهب إلى الحرب، أن نقدم أنفسنا كباش فداء، ليحيا البقية. من وقت لآخر، أشعر باللاجدوى في كل ما نفعل، أفقد الرغبة في العمل من أجل الجميع، أينهم، لم لا يقومون بالعمل أيضاً، هل أموت ليقوم ابن عاهرة ما بالسهر للصباح. في الواقع نعم، إننا نموت ليستطيع كل ابن عاهرة السهر للصباح، راقصاً فرحاً سكراناً، إننا نموت لأجل أن ينعم الجميع بهذا الحق. الجميع بدون تمييز البتة.
أنا بسيط جداً إلى الحد الذي تصبح البساطة فيه تعقيداً، أخاف كثيراً فأرمي بنفسي في حضن خوفي، وحيد وغريب في وطن ليس لي، وقلب ليس لي.

هو صحيح الهوى غلاب ؟ … معرفش أنا!

قد تكون علاقتي الشخصية مع أم كلثوم علاقة غريبة إلى حد ما، أم كلثوم هي ذلك الصوت الذي يأتيك على حين غرة، يقوم بضربك في الحائط أنت ومشاعرك الغبية، يحملك إلى أماكن لا يستطيع أخذك إليها أي صوت آخر، وقد يكون في أكثر درجات التأثير عندما يأتيك هذا الصوت بدون قرار منك، أغنية شاردة في إذاعة ما، أو من مقهى على الطريق، يوقظ فيك ما كنت قد تناسيت، ويرجعك لذروة إحساسك مرة أخرى.

أعتقد جازماً أن لا شريك لقلب محب أفضل من “الست”، وكيف يعرف الحب حقاً من لم يأرق مستمعاً لروحه تحترق بين الخوف والرغبة في “أغداً ألقاك” منتظراً موعده الأول، ومن لم يرقص قلبه فرحاً كطفل مع الست وهي تقول: ” ابتديت دلوقتِ بس، أحب عمري”. ولست أعرف كيف يستطيع شخص لم يرافق الست أن يدّعي أنه قد أحب يوما ما.

في كل وقت، وفي كل مراحل أي علاقة تكون أم كلثوم هي الرفيق الذي يشعل مشاعرنا المختلفة ويطلق عنان قلوبنا وكأنما خلقت الست لتذكرنا على الدوام بأننا مجرد كائنات ضعيفة لا حول لها ولا قوة أمام هذا الشيء الغريب الذي يجتاح أرواحنا، في كل بداية ونهاية، في كل أمل وخيبة، تلعب أم كلثوم دور الضمير في قلوبنا وصوت الست وهي بتقول : “هو صحيح الهوى غلاب؟؟! …. معرفش أنا “. يغلبنا دوما كما غلبنا الهوى المرة تلو الأخرى، حتى أصبحنا نخاف من قلوبنا خشيتنا من الموت، ولكن ما هو الموت سوى أن يدق هذا القلب بدون أحد يدق له، وإن كانت الست لا تعرف حقا، فنحن نعرف. نعرف تماماً أن الهوى غلاب، ولم يغلبنا على طول العمر غيره.
وازاي يا ترى … أهو ده الي جرى … وأنا أنا أنا معرفش … معرفش أنا.

الأولة وحدك

‏الاولة وحدك .. 
والتانية حدوتة … 
والتالتة هتشكي لمين؟

الأولة وحدك مفيش أصحاب … 
والتانية حدوتة آخرها خراب … 
والتالتة هتشكي لمين؟ حبيبك غاب…

‏الأولة وحدك مفيش أصحاب، ولا عندك أمل تلقى صحاب تانيين…
والتانية حدوتة آخرها خراب، وتزهق من الشكوى ومن اللايمين … 
والتالتة هتشكي لمين؟ … حبيبك غاب وبعد ما كنتم سوا بقيتوا اتنين…

‏الأولة وحدك مفيش أصحاب، ولا عندك أمل تلقى صحاب تانيين، وليه تلقى … 
والتانية حدوتة آخرها خراب، وتزهق من الشكوى ومن اللايمين، وتتعود على الفرقة… 
والتالتة هتشكي لمين؟ … حبيبك غاب وبعد ما كنتم سوا بقيتوا اتنين، محدش في الزمن يبقى ..

‏الأولة وحدك مفيش أصحاب، ولا عندك أمل تلقى صحاب تانيين، وليه تلقى وكل الي التقوا سايبين؟
والتانية حدوتة آخرها خراب، وتزهق من الشكوى ومن اللايمين، وتتعود على الفرقة وتصبح تتلهي بتفانين.
والتالتة هتشكي لمين؟ حبيبك غاب وبعد ما كنتم سوا بقيتوا اتنين، محدش في الزمن يبقى، وليه تفكر بناس ناسيين؟

وحيد برفقة الآخرين

في البدء كانت الكلمة

من الصعب على أي كان أن يقوم بتقديم نفسه في عدد من الكلمات، وقد تكون الكلمة هي الأصعب على الإطلاق، فعندما نقوم بفعل الكتابة نعري جزءاً من أرواحنا لا يمكن كشفه بأي طريقة أخرى، وهنا وفي هذا اليوم أقوم بكشف نفسي لكم، بروح مجردة من كل شيء سوى ذاتها.

اليوم حيث يحتفل الكثيرون بأول أيام عيد الفطر السعيد، بعد بضعة أيام من دخولي في العقد الرابع من العمرـ بعد أن أتممت الثلاثين – وهو السن الذي لم أرغب به البتة – قررت أن يكون موعد إعلاني عن البدء في البوح لكل من أراد أن يقرأ، هنا ستجدونني بدون أقنعة ولا حواجز، لا لشيء لكن لاعتقادي الراسخ بأن على كل منا أن يخرج للعلن في أحد الأيام، وهكذا كان.

في البدء كانت الكلمة، والنهاية هو الصمت. وأن تتكلم هو الفارق الأساسي بين أن تكون موجوداً أو أن تموت، الحياة كلمةـ والمواقف كلمة، من كلمة خلقنا، ومن كلماتنا نخلق عالماً آخر أو نستمر في حيواتنا البائسة. والآن أصبحت روحي كلمة.

وكما الحياة والموت، من الصعب علي أن أتوقف عن الكلام عندما ابتدأت، فالكلام روح والصمت موت، ولكن لا بد لنا من يوم نتوقف فيه عن الحياة وأن نصمت. وهنا في هذه المدونة سأكون حياً قدر ما استطعت، ما دام يمكن ذلك. وكما يبدأ الصغار المشي بخطوات متعثرة، هنا ابدأ مسيري الطويل، وكما يتعلم الأطفال الحياة ممن حولهم، فإنني أنظر لكم طالباً النصح، فإن العالم هو المعلم الأكبر، وكلنا نستطيع أن نكون ذوو شأن في جزء ما.

مروا برفق يا رفاق فإنما هذه أرواحنا التي تنظرون إليها.