عن أثر التنازلات الفردية الطفيفة على مستقبل الجماعة

عن أثر التنازلات الفردية الطفيفة على مستقبل الجماعة، في نقاش بسيط بيني وبين رفيق لي حيث تمت مهاجمة موقفي الراديكالي من أي تعامل لأي فرد مع الاحتلال الإسرائيلي ومؤسساته، حيث دار النقاش حول موقفي الرافض لأي نوع من التنازلات، بدءاً بزيارة البلاد عن طريق استصدار تصريح دخول أو تأشيرة  وصولاً إلى التعامل المباشر مع مؤسسات الاحتلال الثقافية والاجتماعية، والتعامل التجاري، الأكاديمي، الثقافي، السياسي والمجتمعي. حيث أخذ الرفيق المذكور أعلاه موقفاً مبرراً للتنازلات الفردية المتمثلة في زيارة البلاد والأقارب عن طريق استصدار تأشيرة أو تصريح دخول وموقفاً متلطفاً من زيارات المجموعات الثقافية والفنية للبلاد وذلك لأن ” الناس بدها تعيش”، وطارحاً الكثير من الأسباب الإنسانية المقنعة لهذه التنازلات الفردية، وحيث أنني لا أجد في نفسي شخصاً جديراً في أن يفرض رأيه على أحد، فإنني وقبل أن أقوم بتوضيح وجهة نظري أشير إلى أنني لا أوجه إصبع الاتهام إلى أحد، ولا أوجه لومي وانتقادي لكل من قرر أن يعيش عن طريق تقديم أي نوع من هذه التنازلات أو المشاركة بها، ولكنني أقدم رأياً فردياً خاصاً، والذي قد لا يكون صحيحاً بالضرورة.

قبل ما يزيد عن ال 10000 سنة وخلال العصر الجليدي الأخير كانت الذئاب تجوب العالم بحثاً عن الطرائد، حيث شح الغذاء وعاشت الذئاب في تلك الحقبة مرحلة صعبة حيث كانت ندرة الطرائد وصعوبة الوصول إليها إحدى المعضلات التي واجهتها هذه الحيوانات، وتتميز الذئاب عن الكثير من الحيوانات بنظامها الاجتماعي الاستثنائي حيث تعيش في قطعان منظمة بطريقة مثيرة للاهتمام وتحمي مناطق نفوذها ومحيط وكرها، وتدافع عن أرضها بشراسة تثير الإعجاب، ولا تقبل الذئاب التعدي على مناطق نفوذها، ولا تتهرب من المواجهة، ولكن في تلك الفترة قررت بعض الذئاب أنها ” بدها تعيش ” وبدأت تحوم حول التجمعات الإنسانية ملتقطة بقايا طعام البشر التي تستطيع الحصول عليها، وبهذا التنازل الطفيف والتحول من حصولها على الغذاء بنفسها عن طريق الصيد إلى الإقتيات على فضلات البشر بدأت قصة التحول المحوري في حياة هذه الذئاب.

لاحظ البشر وجود الذئاب المفترسة من حولهم، بل ولاحظوا أن هذه الكائنات التي كانت مفترسة شرسة في السابق، تحاول تفادي الاحتكاك العنيف معهم، وتبحث في فضلات موائدهم عن طعام يبقيها فأدرك الإنسان أن هذه الذئاب الرهيبة قد عضها الجوع حتى عضت على كرامتها وبدأت في التنازل عن مبادئها مقابل الحياة، وعندها بدأ الانسان بدوره الرئيسي في تحويل الحيوان المفترس الخطر إلى مدافع رئيسي عنه وعن ممتلكاته، فبدأ بالاحتفاظ بفضلات الطعام وتقديمها للذئاب بيده، وإعطاء الحصة الأكبر للذئب الذي يقوم بطلب المساعدة منه، وحرمان الذئاب التي أنفت التعامل مع البشر منه، ومن ثم بدأ الإنسان يقرر من يبقى ومن يموت من هذه الذئاب، حيث كان يختار الذئاب الوفية، المستسلمة له، ويتخلص من كل من تسول له نفسه أن يتوحش، ومع مرور السنين تغيرت الذئاب وأظهرت الصفات التي تناسب البشر من وفاء ووداعة وطاعة عمياء، وفي النهاية استطاع البشر تحويل الذئب المفترس الى كلب بودل، بسبب سلسلة من التنازلات الطفيفة التي قدمها افراد من هذه الذئاب، فقط لأنها “بدها تعيش”.

في رأيي الشخصي لا يجب على أي فرد من أفراد الشعب الفلسطيني، تقديم أي نوع من التنازلات الطفيفة هذه، لأي سبب كان، وإن لم يكن من خيار سوى أن نموت، فليكن ذلك، من الأفضل لنا أن نموت ذئاباً على أن نحيا ككلاب بودل وديعة، لا شيء في الدنيا يمكن أن يبرر تقديم التنازل لمحتل يحاول تدجيننا في كل فرصة، يجب علينا أن لا نخرج هذا العدو من موقعه الطبيعي كشوكة في خاصرة كل فرد منا، تمنعنا من أن نحيا حياة طبيعية نصبو إليها، من أن نلتقي أحبابنا وأن نرى بلاداً أخرجنا منها، من أن نأكل وأن “نعيش” وأن نحلم، فعندما يفقد الذئب أي خيار للحياة، عليه أن يقاتل ليحصل عليها. وعلينا أن نختنق وألا نرى سوى البندقية طريقاً “عشان نعيش”.

كلب وذئب جنبا إلى جنب

في البدء كانت الكلمة

من الصعب على أي كان أن يقوم بتقديم نفسه في عدد من الكلمات، وقد تكون الكلمة هي الأصعب على الإطلاق، فعندما نقوم بفعل الكتابة نعري جزءاً من أرواحنا لا يمكن كشفه بأي طريقة أخرى، وهنا وفي هذا اليوم أقوم بكشف نفسي لكم، بروح مجردة من كل شيء سوى ذاتها.

اليوم حيث يحتفل الكثيرون بأول أيام عيد الفطر السعيد، بعد بضعة أيام من دخولي في العقد الرابع من العمرـ بعد أن أتممت الثلاثين – وهو السن الذي لم أرغب به البتة – قررت أن يكون موعد إعلاني عن البدء في البوح لكل من أراد أن يقرأ، هنا ستجدونني بدون أقنعة ولا حواجز، لا لشيء لكن لاعتقادي الراسخ بأن على كل منا أن يخرج للعلن في أحد الأيام، وهكذا كان.

في البدء كانت الكلمة، والنهاية هو الصمت. وأن تتكلم هو الفارق الأساسي بين أن تكون موجوداً أو أن تموت، الحياة كلمةـ والمواقف كلمة، من كلمة خلقنا، ومن كلماتنا نخلق عالماً آخر أو نستمر في حيواتنا البائسة. والآن أصبحت روحي كلمة.

وكما الحياة والموت، من الصعب علي أن أتوقف عن الكلام عندما ابتدأت، فالكلام روح والصمت موت، ولكن لا بد لنا من يوم نتوقف فيه عن الحياة وأن نصمت. وهنا في هذه المدونة سأكون حياً قدر ما استطعت، ما دام يمكن ذلك. وكما يبدأ الصغار المشي بخطوات متعثرة، هنا ابدأ مسيري الطويل، وكما يتعلم الأطفال الحياة ممن حولهم، فإنني أنظر لكم طالباً النصح، فإن العالم هو المعلم الأكبر، وكلنا نستطيع أن نكون ذوو شأن في جزء ما.

مروا برفق يا رفاق فإنما هذه أرواحنا التي تنظرون إليها.