في ظل صعود الأبواق المتعددة في هذا الوقت المصيري من تاريخ الصراع الدائم بين الظلم والإستعمار وقوى التحرر والمقاومة، ومحاولة قلب البوصلة بعد أن توجهت إلى طريقها الصحيح وبكل وضوح وتحديد، وعلى الرغم من عدم رغبتي في الخوض في الحديث في المواضيع المستنقعية المطروحة من الجهات المختلفة لكنني لا أجد بدا من الحديث في هذا الوقت بالذات وذلك لمحاولة قطع الطريق – على الرغم من ضآلة الفعل الذي أقوم فيه من خلال هذا الحديث – وكلي أمل أن يساهم الرأي الذي أدلي به هنا في توضيح ما استلبس أو ما غم عن غيري.
نحن ابناء هذه الجغرافيا والتاريخ الرابضين في قلب العالم ومنذ الأزل كنا هدفا دائما للحركات الاستعماريةالمتعددة باختلاف مراكزها واطماعها، مما أدى لتحول بلادنا الممتدة من مياه إلى مياه، من الشرق الى الغرب إلى ساحة حرب أزلية، وعليه فإنني أكاد أجزم أن أول مقاومة في التاريخ قد ولدت هنا ووجود المقاومة والحركات التحررية – والتي وجدت قبل حركة فتح بكثير، وعلينا هنا أن لا نقع في المغالطة التي تربط الحركة التحررية بمفهوم الحزب السياسي في الوقت الحالي فإن أي توجه شعبي محلي للتخلص من الاستعمار هو حركة تحررية – يضع هذه الحركة في الصف نفسه مع كل الحركات التحررية الأخرى التي تقاتل ضد الاستعمار وخاصة لو كانت تقاتل ضد نفس الحركة الاستعمارية، ومن هذه النقطة برزت التحالفات بين حركات التحرر المختلفة، ووجود هذه التحالفات ضد العدو المشترك يؤدي بالضرورة الى تجاهل التناقضات والخلافات مرحليا في ظل ديمومة الصراع، وهذا التجاهل لا ينفي وجود الخلاف او التناقض لكن كون الحرية هي الهدف الأسمى للحركات التحررية فإن الخلافات تضحي هامشية في ظل الصراع مع الاستعمار. وكلما ازدادت قوة الحركة الاستعمارية وسيطرتها على الأرض كلما ازدادت حاجة الحركات التحررية لتحالفات استراتيجية تضمن تطور وزيادة قدرة هذه الحركات على ايقاع الخسائر في الجسم الاستعماري التوسعي، وحيث أن كل الحركات الاستعمارية رأسمالية بالضرورة، فإن الرأسمالية العالمية هي العدو المشترك لكل حركات التحرر في هذا الكون، وحيث أن الولايات المتحدة الأمريكية والغرب هم رأس الرأسمالية العالمية، فإن ذلك يتضمن أن حركاتنا التحررية تقف في نفس الخندق مع جميع اعداء الغرب. وحيث أن الإحتلال الاسرائيلي هو امتداد واضح للغرب الاستعماري، كما الانظمة الخصية المتحكمة في مصائر شعوبنا في جميع أماكن وجودها، فذلك يتضمن وجود هذه الأنظمة والإحتلال في نفس الخندق مع الرأسمالية العالمية أو أنها جزء لا يتجزأ منها.
وعليه وسحبا للحديث الطويل السابق على المعركة الأخيرة، فإن من الواضح أن المقاومة الفلسطينية تحارب في خندق واحد مع جميع حركات التحرر العالمية، على الرغم من وجود أي تناقضات أو خلافات فإن هذه التناقضات في ظل هذه المعركة هي تناقضات هامشية. وإنه لحق على حركاتنا التحررية أن لا تنكر فضل كل من قدم الدعم مهما كان اختلافها – أو اختلافنا معه – وحيث أن الصفوف قد تستشكل على البعض – لأسباب لا يجهلها الكثير – فإنه من مصلحتنا العامة أن نقوم بتبسيط الصفوف بكل بساطة، نحن كفلسطينيين نحارب من أجل الحرية، عدونا الأساسي هو الإحتلال الاسرائيلي ومركزه المتمثل بالغرب الاستعماري، وأن كل عدو لهذا العدو الأساسي هو صديق لنا مهما كان تناقضنا معه، وكل صديق له هو عدو لنا، وحيث تقاطعت مصالحنا مع أعداء هذا الكيان الوظيفي ومركزه الاستعماري فإن ذلك لا يعني ذوابننا في تحالفاتنا أو توحدنا في ظل المسائل الأخرى خارج مسألة الصراع مع العدو، لأن الحرية واحدة والعبودية شتى.