عن المقاومة، الاحتلال والتحالفات المختلفة.

في ظل صعود الأبواق المتعددة في هذا الوقت المصيري من تاريخ الصراع الدائم بين الظلم والإستعمار وقوى التحرر والمقاومة، ومحاولة قلب البوصلة بعد أن توجهت إلى طريقها الصحيح وبكل وضوح وتحديد، وعلى الرغم من عدم رغبتي في الخوض في الحديث في المواضيع المستنقعية المطروحة من الجهات المختلفة لكنني لا أجد بدا من الحديث في هذا الوقت بالذات وذلك لمحاولة قطع الطريق – على الرغم من ضآلة الفعل الذي أقوم فيه من خلال هذا الحديث – وكلي أمل أن يساهم الرأي الذي أدلي به هنا في توضيح ما استلبس أو ما غم عن غيري.

نحن ابناء هذه الجغرافيا والتاريخ الرابضين في قلب العالم ومنذ الأزل كنا هدفا دائما للحركات الاستعماريةالمتعددة باختلاف مراكزها واطماعها، مما أدى لتحول بلادنا الممتدة من مياه إلى مياه، من الشرق الى الغرب إلى ساحة حرب أزلية، وعليه فإنني أكاد أجزم أن أول مقاومة في التاريخ قد ولدت هنا ووجود المقاومة والحركات التحررية – والتي وجدت قبل حركة فتح بكثير، وعلينا هنا أن لا نقع في المغالطة التي تربط الحركة التحررية بمفهوم الحزب السياسي في الوقت الحالي فإن أي توجه شعبي محلي للتخلص من الاستعمار هو حركة تحررية – يضع هذه الحركة في الصف نفسه مع كل الحركات التحررية الأخرى التي تقاتل ضد الاستعمار وخاصة لو كانت تقاتل ضد نفس الحركة الاستعمارية، ومن هذه النقطة برزت التحالفات بين حركات التحرر المختلفة، ووجود هذه التحالفات ضد العدو المشترك يؤدي بالضرورة الى تجاهل التناقضات والخلافات مرحليا في ظل ديمومة الصراع، وهذا التجاهل لا ينفي وجود الخلاف او التناقض لكن كون الحرية هي الهدف الأسمى للحركات التحررية فإن الخلافات تضحي هامشية في ظل الصراع مع الاستعمار. وكلما ازدادت قوة الحركة الاستعمارية وسيطرتها على الأرض كلما ازدادت حاجة الحركات التحررية لتحالفات استراتيجية تضمن تطور وزيادة قدرة هذه الحركات على ايقاع الخسائر في الجسم الاستعماري التوسعي، وحيث أن كل الحركات الاستعمارية رأسمالية بالضرورة، فإن الرأسمالية العالمية هي العدو المشترك لكل حركات التحرر في هذا الكون، وحيث أن الولايات المتحدة الأمريكية والغرب هم رأس الرأسمالية العالمية، فإن ذلك يتضمن أن حركاتنا التحررية تقف في نفس الخندق مع جميع اعداء الغرب. وحيث أن الإحتلال الاسرائيلي هو امتداد واضح للغرب الاستعماري، كما الانظمة الخصية المتحكمة في مصائر شعوبنا في جميع أماكن وجودها، فذلك يتضمن وجود هذه الأنظمة والإحتلال في نفس الخندق مع الرأسمالية العالمية أو أنها جزء لا يتجزأ منها.

وعليه وسحبا للحديث الطويل السابق على المعركة الأخيرة، فإن من الواضح أن المقاومة الفلسطينية تحارب في خندق واحد مع جميع حركات التحرر العالمية، على الرغم من وجود أي تناقضات أو خلافات فإن هذه التناقضات في ظل هذه المعركة هي تناقضات هامشية. وإنه لحق على حركاتنا التحررية أن لا تنكر فضل كل من قدم الدعم مهما كان اختلافها – أو اختلافنا معه – وحيث أن الصفوف قد تستشكل على البعض – لأسباب لا يجهلها الكثير – فإنه من مصلحتنا العامة أن نقوم بتبسيط الصفوف بكل بساطة، نحن كفلسطينيين نحارب من أجل الحرية، عدونا الأساسي هو الإحتلال الاسرائيلي ومركزه المتمثل بالغرب الاستعماري، وأن كل عدو لهذا العدو الأساسي هو صديق لنا مهما كان تناقضنا معه، وكل صديق له هو عدو لنا، وحيث تقاطعت مصالحنا مع أعداء هذا الكيان الوظيفي ومركزه الاستعماري فإن ذلك لا يعني ذوابننا في تحالفاتنا أو توحدنا في ظل المسائل الأخرى خارج مسألة الصراع مع العدو، لأن الحرية واحدة والعبودية شتى.

عن تيليجرام، الخراف، الثمن المدفوع وأشياء أخرى.

يدور في هذه الأيام أحد أنواع الهوس الجماعي بهجرة تطبيق التراسل الفوري المملوك لشركة فيسبوك واتساب، وذلك بسبب تعديل بنود سياسة الخصوصية الخاصة به والذي يسمح له بمشاركة بيانات المستخدمين مع الشركة الأم فيسبوك، والذي يعتبره الكثيرين انتهاكا جسيما لخصوصيتهم، وفي ظل هذا الهوس المحموم بالخصوصية والحصول عليها يعلن تطبيق تيليجرام المنافس لواتساب وصول عدد المشتركين فيه ل 500 مليون مستخدم، بواقع 25 مليون مستخدم خلال الأيام القليلة الماضية، وعليه فإنني أكتب هنا مدفوعًا بهذه الهجرة الجماعية التي تبدو اعتباطية بشكل ما، مما يسبب لي إزعاجًا طفيفًا أعزوه إلى واحدة من عقدي النفسية – التي لا حصر لها على الإطلاق – وذلك لأنني لا أستطيع إلا ذلك.

عن الهجرة إلى تيليجرام:

يملك أغلب المهاجرين من واتساب حسابات على كل من فيسبوك و إنستاجرام، يستخدم الأغلبية منهم التطبيقات الخاصة بهذه الشبكات على هواتفهم الذكية، تقوم هذه التطبيقات بجمع البيانات الخاصة بالمستخدمين لها واستخدامهم لكل منها ومشاركتها فيما بينها، بما يشمل البيانات التي يريد واتساب مشاركتها مع فيسبوك، وبذلك فإن عملية الهجرة إلى تيليجرام أو غيره لم تقم بعمل أي تغيير يذكر على كمية البيانات المجمعة عن كل منهم، بالمقابل فإن المستخدمين الذين قاموا باختيار تيليجرام بديلاً للواتساب قد تخلوا عن خاصية التشفير الطرفي المفعلة مسبقا في واتساب، واختاروا تيليجرام الذي لا يقوم بتشفير المحادثات إلا في حالة إنشاء محادثة سرية، ويقوم كلا التطبيقين بحفظ المحادثات بشكل غير مشفر في حالة عمل نسخة احتياطية عنها على خوادم شركة جوجل وابل وذلك حسب نوع هاتف المستخدم. يقوم تيليجرام بحفظ نسخة من رسائل المستخدمين ولوائح الاتصال الخاصة بهم على الخوادم الخاصة بالشركة (خوادم خاصة غير مفتوحة المصدر)، مما يعني أن أي اختراق لهذه الخوادم سيترك كافة بيانات ورسائل المستخدمين متاحة للبيع والشراء بكل الوسائل الممكنة، وبذلك يتفوق واتساب على تيليجرام من ناحية أمن الرسائل المتبادلة، حيث لا تملك شركة فيسبوك نسخة عن رسائلك الخاصة، وإن فعلت ستمتلكها بصورة مشفرة وذلك باستخدام بروتوكول سيجنال للتشفير الطرفي والذي يستخدمه تطبيق سيجنال للتواصل الفوري (وهو الخيار الأكثر أمانًا من التطبيقين الآخرين)، وعليه فإن ترك واتساب للذهاب إلى تيليجرام هو عبارة عن خيار سيء في أحسن الأحوال. وذلك بعيداً عن وهم الخصوصية الذي تخلى عنه أغلبيتنا في اللحظة التي قمنا بها بإقتناء هاتفٍ ذكي وقمنا بنشر جميع معلوماتنا على جميع وسائل التواصل الإجتماعي. 

عن الثمن المدفوع :

هناك ثلاث أنواع من التطبيقات المجانية في هذا العالم، التطبيقات التابعة لشركات ربحية، والتطبيقات المجانية مفتوحة المصدر – يمكننا اعتبار هذه التطبيقات شكلاً من أشكال الاشتراكية الالكترونية – أو تطبيقات مجانية مدعومة من جهات أخرى، ويمكن أن ننظر إلى تطبيقات المراسلة الثلاث من هذه الزاوية لنجد أن واتساب يتبع شركة رأسمالية كبرى مثل فيسبوك، وتيليجرام يتم تمويله بشكل شخصي من الأخوة دوروف، وسيجنال كتطبيق مجاني مفتوح المصدر تابع لمؤسسة غير ربحية يتم تمويلها عن طريق التبرعات وقرض طويل الأجل بفائدة صفرية من قبل أحد المؤسسين. وفي هذه الحالات الثلاث يمكننا القول أنه لا يوجد ما هو مجاني حقيقةً، في حالة واتساب وتيليجرام فإن معلوماتك هي التي تباع، الفرق بين التطبيقين أنه في الحالة الاولى نحن نعرف تمامًا ما الذي يتم بيعه، في حالة سيجنال فإن البعض يقومون بدفع الثمن عن الكل وطالما تقوم التبرعات بسداد النفقات الخاصة بالتطبيق يمكننا أن نتوقع بقاء التطبيق مجانيًا ومتاحًا للجميع. 

عن الخراف: 

تقوم قطعان الخراف حول العالم في حالات كثيرة بالقفز من فوق جرف عالٍ نحو الموت، يقول الباحثون في سيكولوجيا الخراف أن هذه الحالات ناتجة عن أن الخراف بطبيعتها حيوانات تابعة، لا تفكر كثيرًا في المكان التي تذهب إليه حيث يحاول كل خروف منها اللحاق بذيل الخروف الذي يسير أمامه، بغض النظر عن المكان الذي سيذهب إليه، وعليه فإن أحد الخراف السائرة في طليعة القطيع يقوم بإتخاذ خيار خاطئ في بعض الأحيان مما يؤدي به إلى التردي عن جرف سحيق متبوعًا بباقي القطيع، الذي يقفز ورائه بغير إدراك لنتائج قفزته المحمومة نحو ذيل خروف غبي يسبقه. في الكثير من الأحيان يتصرف البشر كخرافٍ بلهاء، ولربما يقفزون جميعا وراء قائد غُمّ على بصره إلى موتٍ محتوم. 

عن الرأي: 

تستخدم الكثير من الحكومات أو الجماعات شركات متخصصة للتأثير على رأي الجمهور في أمور محددة، وذلك باستخدام البيانات الضخمة التي تبيعها شركات التواصل الإجتماعي وتزويد الخدمات، وذلك لدفع الجمهور إلى القيام بخيارٍ معين في إنتخاباتٍ قادمة أو استفتاءٍ مهم ترغب هذه الحكومة أو الجماعة في الحصول على منفعة منها، وتعتبر شعوب العالم هذا الأمر هو أحد أخطر ما يمكن فعله باستخدام البيانات الخاصة بالمستخدمين، في عالمنا العربي الجميل يقوم الحكام بمصادرة رأيك من دون أن يسألك أحد عنه، وانتهاك خصوصيتك بدون أن تستطيع حتى الإعتراض على ذلك، يتم تفتيشك ذاتيا، تسجيل مكالماتك الهاتفية، تقصي وضعيتك المفضلة لممارسة الجنس، وتسجيلها في سجلات أجهزة الأمن.

عن التفاهة:

نحن تافهون.  

وحيد

وأنا – حسبما اقتضت العادة مني – أخفي همومي ومشاكلي بقناع غريب من اللامبالاة، القليل القليل من التأثر بأمور قد تدفع الكثير من البشر للانتحار، لا يمكنني أن أنفعل بجدية تجاه خسارات شخصية، اتقبل الخسارة بنفس الطريقة التي اتقبل فيها الموت، كل الخسارات موت صغير، وعندما تبدأ بتقبل الخسارة الكبرى، لا يعود للخسارات الصغيرة ذلك المعنى الذي يجعلنا ننفعل حزناً بسببها، ويبدو أن الإنسان قد جبل على الخسارة، فعجنت مع طينه الأول. 
أكتب اليوم كي أبوح بحقائق مخفية في داخلي – يمكنك التوقف عن القراءة الآن – حيث أني لا أتقن فن البوح أيضاً، فقد اوجعتني الدنيا كثيراً بسبب صراحتي سابقاً، فآثرت أن أصبح ضبابياً غير قابلٍ للقراءة أو الفهم – وذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين – وقد كان ذلك إلى وقت قريب ملاذاً مناسباً من أذى هذا العالم الموحش، حتى اصطدمت بها، وأصبحت آخر لا أعرفه، يخشى الكثير، ويشعر بالوحدة حقاً كما لم يكن يشعر بها من قبل. 
لا أعلم كيف يجب أن أبدأ بالحديث عن نفسي، حيث أني أشعر في هذه اللحظات كمن يتعرى من ثيابه قطعة قطعة، وأنا خجل جداً من روحي العارية، لنبدأ من هنا إذن، أنا أذوب خجلاً عندما أقترب من امرأة أحبها، قد أكون وقحاً أو جريئاً، لكنني أخفي الكثير من الخجل وراء ذلك الشيء، وأخاف حقاً ألا أعجبها، يجتاحني هاجس كلما اقتربت من قلب ما بأنني قد لا أكون جيداً بما يكفي له. أعرف حقاً أنني شخص جيد، أحبني أحياناً، وأعرف بأنني جدير بالحب، لكنني أخاف الحب، وأخاف الانكشاف على من أحب، فخلف هذا الشخص الذي لا يمكن كسره، قلب هش كجناح فراشة، كلما كشفته لشخص لهى به وتركه قطعاً كأحجية – مثل تلك التي تقبع الآن فوق خزانتها – تنتظر أن تجمع، دخلت الكثير من المعارك حيث أن قلبي تلف كثيراً، وأصبح أكثر هشاشة، وأصبحت أكثر خشية عليه من التلف. 
كيف يمكن للمرء أن يعرف الآخر حقاً، وكيف له أن يعرف نفسه، أنا لا أعرف نفسي في الواقع، أعرف أني أريد الكثير من الأشياء، لكنني لا أعلم لماذا أريدها، لا أستطيع تفسير الطريقة التي أتعامل بها مع الأمور المختلفة، أرغب أحياناً كثيرة بالهرب من كل شيء والإختفاء إلى الأبد، لكنني لا أستطيع ذلك، أنا وحيد على الدوام، وحيد على الرغم من كل الأشخاص الذين يحيطون بي، غريب بلا وطن في وسط هذا العالم المقفر، روح تائهة في صحراء الملح. أبحث عن وطن أستند اليه، شخص آمن، ملاذ للبكاء، كثير من جراحي لم تشف بعد. وأحتاج كفاً لتمسك كفي وتقول لي، لا تخف، أنا هنا معك، لن تكون وحيداً بعد اليوم. 
يبحث الكثير عن المال، يضيع الكثيرون وقتهم وحيواتهم في جمعه والسعي خلفه، المال مفيد حقاً، لكنه لا يملك أي قيمة حقيقية ما لم ينفق، المال وسيلة لا أكثر، لا يمكن لكل أموال العالم أن تشتري للرجل قلباً، ولا يستطيع الرجل أن يحيا بلا قلب. 
الوطن، لا شيء اطلاقاً، الوطن فكرة مجردة، ليس مكاناً ولا أشخاصاً، الوطن هو لا شيء طالما لم تستطع إيجاد الشخص الذي تشعر معه في كل وقت أنك في البيت. 
لا نموت لأجل الوطن، نموت لأجل الحياة الأفضل، عندما نذهب للموت نرى أننا نقدم الثمن الرخيص لحياة الآخرين، هكذا فقط يمكننا أن نذهب إلى الحرب، أن نقدم أنفسنا كباش فداء، ليحيا البقية. من وقت لآخر، أشعر باللاجدوى في كل ما نفعل، أفقد الرغبة في العمل من أجل الجميع، أينهم، لم لا يقومون بالعمل أيضاً، هل أموت ليقوم ابن عاهرة ما بالسهر للصباح. في الواقع نعم، إننا نموت ليستطيع كل ابن عاهرة السهر للصباح، راقصاً فرحاً سكراناً، إننا نموت لأجل أن ينعم الجميع بهذا الحق. الجميع بدون تمييز البتة.
أنا بسيط جداً إلى الحد الذي تصبح البساطة فيه تعقيداً، أخاف كثيراً فأرمي بنفسي في حضن خوفي، وحيد وغريب في وطن ليس لي، وقلب ليس لي.

احتضار

استيقظ على صوت احتضاره، كان لا يقوى على التنفس، حاول جاهداً أن يملأ رئتيه بالهواء العفن، لم يستطع سوى أن يأخذ شهقات قصيرة ، لكنها كانت كافية ليستطيع النهوض من سريره وينسحب ببطء كي لا يوقظ أخاه النائم بجواره بصوت موته ، بضع خطوات تفصل سريره عن غرفة الجلوس ، بدت في تلك اللحظات كألف ميل ، استطاع اجتيازها بالنهاية، جلس على أريكته المفضلة هناك بعد أن أغلق الباب، كان يريد أن يموت بهدوء ، بدون أن يزعج أي كان باحتضاره ، كتاب لم يتم قراءته بعد على الطاولة ، تناوله وفتحه على الصفحة الأخيرة، وقرأ “هكذا هو الموت”.

كم غبي هذا الكاتب! هل جرب الموت ليعرف كيف هو حقاً؟ ليس الموت مؤلماً كما يظن، بل هو بسيط جداً فها أنا هنا أموت، لا شيء صعب في الموت، لكن الحياة تصبح أصعب فقط.

بدأ شعور بالرغبة في النوم يستولي عليه ، هو يعرف هذا الشعور ، النوم الأبدي يقترب ، حاول أن يقاومه لا لشيء ، لكنه لم يرغب بالموت بعد ، ربما بعد قليل . اسئلة كثيرة تجتاح فكره ، هل من شيء بعد؟ ، هل سأرى الله ؟ ، هل كانت حياتي مجرد حلم ؟ وهل سأستيقظ غداً ؟ . لا أجوبة ، اسئلة فقط .

ذات يوم قالت له صديقة : “كل الناس يخافون الموت ، لماذا تلاحقه من مكان لآخر ؟” . كان جوابه بسيطاً جداً : “أنا لا أخاف الموت “. هل حقاً أنا لا أخاف الموت ، فكر وابتسم .
“لن أموت” ، قال لنفسه وهو يحاول بأقصى جهده أن يأخذ نفساً كاملاً ، لم يعلم من قبل أن التنفس يحتاج كل هذه القوة ، ” لن أموت ، واجهتك من قبل أيها الموت وسأفعل هذه المرة أيضاً ” ، شعر برئتيه تتمزقان كأنما لا تستطيعان تحمل امتلائهما بالهواء ، حشرجة ثقيلة في صدره عندما يزفر ، “يكفيني هذا ، لم اعد قادرا على المقاومة ، سأموت؟ نعم ، يجب أن تستسلم ، ستموت” ، قال لنفسه ثم صمت .

بدأت الدنيا تبدو معتمة من حوله ، لم تعد الصور واضحة في عينيه ، خدر لذيذ يسري في أطرافه، وينتقل الى بقية جسده، ” أود لو أشاهد نفسي الآن “، فكر وضحك .

لم يعد يعرف أين هو، الواقع ليس موجوداً الآن، لا يشعر بجسده ولا يستطيع أن يرى أي شيء من حوله، ظلام تتخلله بقع ضوئية خافتة، لكن عقله يضج بالذكريات، ذكريات كثيرة لم يكن يعلم انها موجودة هناك حتى، “كم غريب أنت أيها الموت؟!” ، الآن بدأ يشعر بأنه قد كان حياً.

الرغبة بالنوم لا زالت تتملكه، لم يعد يرغب بالمقاومة، ابتسم ثم أغمض عينيه، واستسلم لنعاسه، بدأ يشعر بنفسه ينسحب من عالمه المادي، ويغوص في فراغ سريالي لذيذ، كل الأشياء تنصهر هنا وتتمازج، قبل أن يغرق في سريالية موته اللذيذ، تذكر أنه لم يقل لها أنه يحبها، ثم ذهب.

انا المرتاح

انا الماضي 
انا الآتي 
انا الي زرعت مشكاتي 
بقلب الليل 
لقيته صباح

انا الي جعلت الحب … حدوته
قطفت التوت
توته تلتقي بتوتة
وقلت أموت 
وقلبي براح

انا دمعة
على الخدين كانت بتسيل
انا شهقة وجع جاري
كنهر النيل
انا الي بغيب ومش برجع
ولما يخبطوا بسيرتي 
وجع في غيابي يتجمع
يقولوا بقى 
يا ريته ما راح

انا المنسي
على اصوله 
انا الماشي 
على السكة
انا المرتاح

Photo by magnezis magnestic on Unsplash

المرثية الأخيرة لقلب شاعر

تالله من وجع القصائد …
كلها … 
حروفٌ تنتزع جسدي … 
كلمةً كلمة….
وتذهب … على مهلها … 
القلب يبقى وحيداً …
لا سلوى له … ولا مَن …
هذه مرثيتي الأخيرة … 
اليوم أذهب إلى حتفي راضياً …
وفي الغد أولد … 
ربما … 
لكنه بعثٌ جديد … 
إبيَضَ قلبي … 
قلب طفل … 
واليوم يخفق كطائر يتعلم الطيران … 
يلقي بنفسه من علٍ … 
ولا شيء لديه … سوى ريش جناح ضعيف … 
والكثير من الأمل.

نوتة حزينة

ولك صحتين

ولك صحتين يا شعبي … 
وحلك من القهر تشبع …
قهر من فوق نازللك … 
ولما تلف يطلعلك الف أصبع … 
تظن عايش في جنة بلادك … 
ترى عيشك بمستنقع … 
وقاعد فوق في واحد … 
ولا بيفهم ولا بيسمع …. 
ولا بيحل ولا بيربط … 
ولا بيبني ولا بيزرع…
واذا قلناله يتحرك…
يقلك إنقلع إطلع…
ونازل بيع عالداير … 
وداير يخلع ويقلع…
كما المنشار عالطالع …
وعالنازل ولا بيشبع…
كإنها مطوبة باسمه…
وحقه فيها يتبرطع…
خوثنا بسيرة الدولة…
وفاتح للحكي مصنع…
ونازل يصرف ويعزم…
وعنا احنا الهوى بيمنع…
على جنب العدى صافف…
ومن بز العدو بيرضع…
علينا يضل يتجعمص…
وتحت اقدامهم يركع…

هو صحيح الهوى غلاب ؟ … معرفش أنا!

قد تكون علاقتي الشخصية مع أم كلثوم علاقة غريبة إلى حد ما، أم كلثوم هي ذلك الصوت الذي يأتيك على حين غرة، يقوم بضربك في الحائط أنت ومشاعرك الغبية، يحملك إلى أماكن لا يستطيع أخذك إليها أي صوت آخر، وقد يكون في أكثر درجات التأثير عندما يأتيك هذا الصوت بدون قرار منك، أغنية شاردة في إذاعة ما، أو من مقهى على الطريق، يوقظ فيك ما كنت قد تناسيت، ويرجعك لذروة إحساسك مرة أخرى.

أعتقد جازماً أن لا شريك لقلب محب أفضل من “الست”، وكيف يعرف الحب حقاً من لم يأرق مستمعاً لروحه تحترق بين الخوف والرغبة في “أغداً ألقاك” منتظراً موعده الأول، ومن لم يرقص قلبه فرحاً كطفل مع الست وهي تقول: ” ابتديت دلوقتِ بس، أحب عمري”. ولست أعرف كيف يستطيع شخص لم يرافق الست أن يدّعي أنه قد أحب يوما ما.

في كل وقت، وفي كل مراحل أي علاقة تكون أم كلثوم هي الرفيق الذي يشعل مشاعرنا المختلفة ويطلق عنان قلوبنا وكأنما خلقت الست لتذكرنا على الدوام بأننا مجرد كائنات ضعيفة لا حول لها ولا قوة أمام هذا الشيء الغريب الذي يجتاح أرواحنا، في كل بداية ونهاية، في كل أمل وخيبة، تلعب أم كلثوم دور الضمير في قلوبنا وصوت الست وهي بتقول : “هو صحيح الهوى غلاب؟؟! …. معرفش أنا “. يغلبنا دوما كما غلبنا الهوى المرة تلو الأخرى، حتى أصبحنا نخاف من قلوبنا خشيتنا من الموت، ولكن ما هو الموت سوى أن يدق هذا القلب بدون أحد يدق له، وإن كانت الست لا تعرف حقا، فنحن نعرف. نعرف تماماً أن الهوى غلاب، ولم يغلبنا على طول العمر غيره.
وازاي يا ترى … أهو ده الي جرى … وأنا أنا أنا معرفش … معرفش أنا.

بالعنادة وبالعباطة وبالهبل

بالعنادة وبالعباطة وبالهبل … 
خليه يضل عندي أمل … 
أصل الأمل بفتح شبابيك للفضا … 
قد الفضا … بيزرع شوارعنا قبل … 
بالعنادة وبالعباطة وبالهبل … 

صبح يشد … 
يقطع يمد … 
والدور داير على أبوابه يسد … 
دنية تنابل هذي حاكمها الخبل … 
بالعنادة وبالعباطة وبالهبل … 

كل ما مرت علي نسمة هوا … 
بقلب ولد … 
بعمل من الحارة بلد … 
بفرح فرح … ما فرحه يوم حد انولد … 
بس لما تخلص فرحتي …  
يبقى الصبر … صبر الجمل…. 
بالعنادة وبالعباطة وبالهبل…

واقف ولد …
تحت الشمس …
مثل الوتد …
يجري جري مثل الغزال …
يهجم ولا تقولوا أسد …
ولما يتعب من الجري …
يولِّع عجَل…
بالعنادة وبالعباطة وبالهبل…

بين الزتون، وقف وبيعد الفشك …
سمرا البارودة معفرة…
طلعت من بيوت التنك …
ولع تتن … شد وترك …
ورصاصه زغرد في الجبل …
بالعنادة وبالعباطة وبالهبل…

الأولة وحدك

‏الاولة وحدك .. 
والتانية حدوتة … 
والتالتة هتشكي لمين؟

الأولة وحدك مفيش أصحاب … 
والتانية حدوتة آخرها خراب … 
والتالتة هتشكي لمين؟ حبيبك غاب…

‏الأولة وحدك مفيش أصحاب، ولا عندك أمل تلقى صحاب تانيين…
والتانية حدوتة آخرها خراب، وتزهق من الشكوى ومن اللايمين … 
والتالتة هتشكي لمين؟ … حبيبك غاب وبعد ما كنتم سوا بقيتوا اتنين…

‏الأولة وحدك مفيش أصحاب، ولا عندك أمل تلقى صحاب تانيين، وليه تلقى … 
والتانية حدوتة آخرها خراب، وتزهق من الشكوى ومن اللايمين، وتتعود على الفرقة… 
والتالتة هتشكي لمين؟ … حبيبك غاب وبعد ما كنتم سوا بقيتوا اتنين، محدش في الزمن يبقى ..

‏الأولة وحدك مفيش أصحاب، ولا عندك أمل تلقى صحاب تانيين، وليه تلقى وكل الي التقوا سايبين؟
والتانية حدوتة آخرها خراب، وتزهق من الشكوى ومن اللايمين، وتتعود على الفرقة وتصبح تتلهي بتفانين.
والتالتة هتشكي لمين؟ حبيبك غاب وبعد ما كنتم سوا بقيتوا اتنين، محدش في الزمن يبقى، وليه تفكر بناس ناسيين؟

وحيد برفقة الآخرين